الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وفي الفتاوى الظهيرية وغسالة الميت نجسة [ ص: 97 ] كذا أطلق محمد في الأصل والأصح أنه إذا لم يكن على بدنه نجاسة يصير الماء مستعملا ولا يكون نجسا إلا أن محمدا إنما أطلق نجاسة الماء ; لأن غسالته لا تخلو عن النجاسة غالبا وفي الخلاصة أما إذا توضأ الصبي في طست هل يصير الماء مستعملا والمختار أنه يصير مستعملا إذا كان الصبي عاقلا . ا هـ .

                                                                                        وقد قدمنا حكم ما إذا أدخل يده في الإناء فلتراجع .

                                                                                        وفي الخلاصة ، ولو أخذ الماء بفمه لا يريد به المضمضة لا يصير مستعملا عند محمد وكذا لو أخذ بفيه وغسل أعضاءه بذلك وقال أبو يوسف لا يبقى طهورا وهو الصحيح ا هـ .

                                                                                        واعلم أن هذا وأمثاله كقولهم فيمن أدخل يديه إلى المرفقين أو إحدى رجليه في إجانة يصير الماء مستعملا يفيد أن الماء يصير مستعملا بواحد من ثلاثة إما بإزالة الحدث كان معه تقرب أو لا أو إقامة القربة كان معه رفع حدث أو لا أو إسقاط الفرض ، فإن في هذه المسائل لم يزل الحدث ولا الجنابة عن العضو المغسول لما عرف أن الحدث والجنابة لا يتجزآن زوالا كما لا يتجزآن ثبوتا قالوا ، وهذا هو الصحيح وكذا لم توجد نية القربة ، وإنما سقط الفرض عن العضو المغسول فكان الأولى ذكر هذا السبب الثالث ولا تلازم بين سقوط الفرض وارتفاع الحدث فسقوط الفرض عن اليد مثلا يقتضي أن لا يجب إعادة غسلها مع بقية الأعضاء ويكون ارتفاع الحدث موقوفا على غسل الباقي وسقوط الفرض هو الأصل في الاستعمال إلا أن يقال إن الحدث زال عن العضو زوالا موقوفا لكن المعلل به في كتاب الحسن عن أبي حنيفة كما نقله في فتح القدير إسقاط الفرض في مسألة إدخال اليد الإناء لغير ضرورة لا إزالة الحدث .

                                                                                        وفي الخلاصة لو غسل المحدث عضوا آخر سوى أعضاء الوضوء كالفخذ الأصح أنه لا يصير مستعملا بخلاف أعضاء [ ص: 98 ] الوضوء ا هـ .

                                                                                        وفي المبتغى بالغين المعجمة وبغسله ثوبا أو دابة تؤكل لا يصير مستعملا ووضوء الحائض مستعمل ; لأن وضوءها مستحب ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى أنه لا يصير مستعملا إلا إذا قصدت الإتيان بالمستحب وفي البدائع لو زاد على الثلاث فإن أراد بالزيادة ابتداء الوضوء صار الماء مستعملا ، وإن أراد الزيادة على الوضوء الأول اختلف المشايخ فيه ا هـ .

                                                                                        وفيه كلام قدمناه في بحث تثليث الغسل في السنن فليراجع فإنه يقتضي أن الوضوء على الوضوء لا يكون قربة إلا إذا اختلف المجلس فحينئذ يكون الماء مستعملا أما إذا اتحد المجلس فلا يكون قربة بل مكروه فيكون الماء غير مستعمل وفي معراج الدراية ، فإن قيل المتوضئ ليس على أعضائه نجاسة لا حقيقية ولا حكمية فكيف يصير الماء مستعملا بنية القربة قلنا لما نوى القربة فقد ازداد طهارة على طهارة ولن تكون طهارة جديدة إلا بإزالة النجاسة الحكمية حكما ، فصارت الطهارة على الطهارة وعلى الحدث سواء ا هـ .

                                                                                        [ ص: 97 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 97 ] ( قوله : والأصح أنه إذا لم يكن على بدنه نجاسة إلخ ) أقول : سيذكر مثله عن السراج في باب النجاسات لكن سيأتي في الجنائز الخلاف في أن نجاسة الميت خبث أو حدث وأن صاحب المحيط استدل للأول بأنه لو وقع في الماء القليل قبل الغسل بجسه ولو صلى ، وهو حامل للميت لا يجوز وأن صاحب المحيط صححه ونسبه في البدائع إلى عامة المشايخ فهذا يدل على أن كلام محمد هنا على إطلاقه في أن غسالته نجسة إلا أن يقال إن تنجيسه الماء القليل وعدم صحة صلاة حامله لما عليه من النجاسة غالبا ، وهو تأويل بعيد ; لأن الأصل الطهارة ولا يحكم بفساد الماء أو الصلاة بالشك وكذا غسالته فتأمل ( قوله : أما إذا توضأ الصبي إلخ ) في الخانية الصبي العاقل إذا توضأ يريد به التطهير ينبغي أن يصير الماء مستعملا ; لأنه نوى قربة معتبرة ا هـ .

                                                                                        فقوله : يريد به التطهير يشير إلى أنه إن لم يرد به التطهير لا يصير مستعملا ، وفي قوله ينبغي إيماء إلى أنه لا رواية عن صاحب المذهب كما قال في القنية ( قوله : لما عرف أن الحدث والجنابة إلخ ) قال الشيخ قاسم في حواشي المجمع الحدث يقال بمعنيين بمعنى المانعية الشرعية عما لا يحل بدون الطهارة ، وهذا لا يتجزأ بلا خلاف عند أبي حنيفة وصاحبيه وبمعنى النجاسة الحكمية ، وهذا يتجزأ ثبوتا ارتفاعا بلا خلاف عند أبي حنيفة وأصحابه وصيرورة الماء مستعملا بإزالة الثانية ففي مسألة البئر سقط الفرض عن الرجلين بلا خلاف والماء الذي أسقط الفرض صار مستعملا بلا خلاف على الصحيح ا هـ .

                                                                                        هذا هو التحقيق فخذه ، فإنه بالأخذ حقيق كذا في حاشية نوح أفندي على الدرر .

                                                                                        ( قوله : ولا تلازم إلخ ) المراد نفي التلازم من أحد الجانبين ، وهو جانب سقوط الفرض أي ، فإنه قد يسقط الفرض ويرتفع الحدث كما إذا أتم الطهارة وقد يسقط ولا يرتفع الحدث كما إذا لم يتمها ، وأما جانب رفع الحدث ، فإنه إذا وجد لزم منه سقوط الفرض ، وقد يقال لا تلازم من هذا الجانب أيضا ، فإنه قد يرتفع الحدث ولا يسقط الفرض كوضوء الصبي العاقل لما مر من صيرورة مائه مستعملا مع أنه لا فرض عليه بقي هل بين سقوط الفرض والقربة تلازم أم لا إن قلنا إن إسقاط الفرض لا ثواب فيه فلا وإن قلنا فيه ثواب فنعم قال العلامة المحقق نوح أفندي والذي يقتضيه النظر الصحيح أو الراجح هو الأول ; لأن الثواب في الوضوء المقصود ، وهو شرعا عبارة عن غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس فغسل عضو منها ليس بوضوء شرعي فكيف يثاب عليه اللهم إلا أن يقال إنه يثاب على غسل كل عضو منها ثوابا موقوفا على الإتمام ، فإن أتمه أثيب على غسل كل عضو منها ، وإلا فلا ويدل عليه ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يده خرج من يده كل خطيئة بطشتها يده مع الماء أو آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرج كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب والآثام } ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وفي الخلاصة لو غسل المحدث عضوا سوى أعضاء الوضوء ) الأصح أنه لا يصير مستعملا فإن قلت على مقابل الأصح كيف يصير مستعملا ، ولم يوجد واحد من الثلاثة قلت قال في النهر : الظاهر أن هذا له التفات إلى خلاف آخر هو أن الحدث الأصغر وجد هل حل بكل البدن وجعل غسل أعضاء الوضوء رافعا عن الكل تخفيفا أو بأعضاء الوضوء فقط قولان ، وكان الراجح هو الثاني ; ولذا لم يصر الماء مستعملا بخلافه [ ص: 98 ] على الأول ( قوله : ووضوء الحائض مستعمل ; لأن وضوءها مستحب ) قال في النهر : قالوا بوضوء الحائض يصير مستعملا ; لأنه يستحب لها الوضوء لكل فريضة وأن تجلس في مصلاها قدرها كي لا تنسى عادتها ومقتضى كلامهم اختصاص ذلك بالفريضة وينبغي أنها لو توضأت لتهجد عادي لها أو صلاة ضحى أو جلست في مصلاها أن يصير مستعملا ولم أره لهم ( قوله : وفيه كلام قدمناه إلخ ) أقول : وفيه كلام قدمناه عن النهر فليراجع ، فإنه يقتضي أن كراهة تكرار الوضوء في مجلس إذا تعدد مرارا لا فيما إذا أعاده مرة واحدة .




                                                                                        الخدمات العلمية