2782 2941 - قال فأخبرني ابن عباس: أبو سفيان بالشأم في رجال من قريش، قدموا تجارا في المدة التي كانت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين كفار قريش، قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشأم، فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء، فأدخلنا عليه، فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج، وإذا حوله عظماء الروم، فقال لترجمانه: سلهم: أيهم أقرب نسبا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم إليه نسبا. قال: ما قرابة ما بينك وبينه؟ فقلت هو ابن عمي، وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري. فقال قيصر: أدنوه. وأمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري عند كتفي، ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه: إني سائل هذا الرجل عن الذي يزعم أنه نبي، فإن كذب فكذبوه. قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ من أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبته حين سألني عنه، ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني فصدقته، ثم قال لترجمانه: قل له كيف نسب هذا [ ص: 35 ] الرجل فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال فهل قال هذا القول أحد منكم قبله؟ قلت: لا. فقال: كنتم تتهمونه على الكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. قال: فيزيدون أو ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن الآن منه في مدة، نحن نخاف أن يغدر. قال أبو سفيان: ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه به؛ لا أخاف أن تؤثر عني غيرها. قال: فهل قاتلتموه أو قاتلكم؟ قلت: نعم. قال: فكيف كانت حربه وحربكم؟ قلت: كانت دولا وسجالا، يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى. قال: فماذا يأمركم؟ قال: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. فقال لترجمانه حين قلت ذلك له: قل له: إني سألتك عن نسبه فيكم، فزعمت أنه ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت: رجل يأتم بقول قد قيل قبله. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: يطلب ملك آبائه. وسألتك: أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك: هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، فكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون، وسألتك: هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأن حربكم وحربه تكون دولا، ويدال عليكم المرة وتدالون عليه الأخرى، وكذلك الرسل تبتلى، وتكون لها [ ص: 36 ] العاقبة، وسألتك: بماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، قال وهذه صفة النبي، قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظن أنه منكم، وإن يك ما قلت حقا، فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه. قال أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرئ، فإذا فيه "بسم هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله، إلى الأريسيين و قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [آل عمران: 64] ". قال أبو سفيان: فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم، وكثر لغطهم، فلا أدري ماذا قالوا، وأمر بنا فأخرجنا، فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، هذا ملك بني الأصفر يخافه، قال أبو سفيان: والله ما زلت ذليلا مستيقنا بأن أمره سيظهر، حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره. [انظر: 7 - مسلم: 1773 - فتح: 6 \ 109] أنه كان