والأفك بمنزلة النجس والنجس. يقال: إفكهم وأفكهم (وأفكهم) .
4141 - حدثنا حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، قال: حدثني ابن شهاب عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، عن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض، قالوا: قالت عائشة، عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما أنزل الحجاب، فكنت أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك وقفل [و] دنونا من عائشة: المدينة قافلين، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه. قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل فساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها منهم داع
[ ص: 272 ] ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها، فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة، وهم نزول، قالت: فهلك في من هلك، وكان الذي تولى كبر الإفك صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني عبد الله بن أبي ابن سلول.
قال أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده، فيقره ويستمعه ويستوشيه. عروة:
وقال أيضا: لم يسم من أهل الإفك أيضا إلا عروة حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش في ناس آخرين، لا علم لي بهم، غير أنهم عصبة -كما قال الله تعالى- وإن كبر ذلك يقال: عبد الله بن أبي ابن سلول. قال كانت عروة تكره أن يسب عندها عائشة حسان، وتقول: إنه الذي قال:
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
قالت فقدمنا عائشة المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم ثم يقول "كيف تيكم" ثم ينصرف، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت حين نقهت، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع، وكان متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا. قالت وأمرنا أمر العرب الأول في البرية قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح -وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن
[ ص: 273 ] المطلب- فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي، حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح. فقلت: لها بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟ فقالت: أي هنتاه ولم تسمعي ما قال؟ قالت: وقلت: ما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، قالت: فازددت مرضا على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم، ثم قال: "كيف تيكم؟ ". فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، قالت: فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لأمي: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها. قالت: فقلت: سبحان الله! أوقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي قالت: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما وأسامة بن زيد أسامة فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه، فقال أسامة: أهلك، ولا نعلم إلا خيرا.
وأما علي فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة فقال: "أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟ ". قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه، غير أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. قالت: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال: " ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما يدخل على أهلي إلا معي". قالت فقام يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي؟ والله -أخو سعد بن معاذ بني عبد الأشهل- فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام رجل من الخزرج -وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه- وهو وهو سيد سعد بن عبادة، الخزرج. قالت: وكان قبل ذلك
[ ص: 274 ] رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل. فقام -وهو ابن عم أسيد بن حضير سعد- فقال كذبت لعمر الله، لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. قالت: فثار الحيان لسعد بن عبادة: الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر. قالت: فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت: فبكيت يومي ذلك كله، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. قالت: وأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوما، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي.
قالت: فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا، فسلم ثم جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس ثم قال: "أما بعد يا إنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه". قالت: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني فيما قال. فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت لأمي: أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال. قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتصدقني، فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا عائشة، أبا يوسف حين قال: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون [يوسف: 18] ثم تحولت واضطجعت على فراشي، والله يعلم أني حينئذ بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر، ولكن
[ ص: 275 ] كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه من العرق مثل الجمان وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي أنزل عليه. قالت: فسري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: "يا أما الله فقد برأك". قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله -عز وجل-. قالت: وأنزل الله تعالى: عائشة، إن الذين جاءوا بالإفك [النور:11] العشر الآيات، ثم أنزل الله هذا في براءتي.
قال -وكان ينفق على أبو بكر الصديق مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال ما قال. فأنزل الله: لعائشة ولا يأتل أولو الفضل منكم إلى قوله: غفور رحيم قال بلى والله، إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى أبو بكر الصديق: مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل عائشة: عن أمري، فقال زينب بنت جحش لزينب: " ماذا علمت أو رأيت؟ ". فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرا. قالت وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعصمها الله بالورع. قالت: وطفقت أختها عائشة: حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك. قال فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط. ثم قال ابن شهاب: قالت عروة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط. قالت: ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله. عائشة: [انظر: 2513- مسلم: 2770 - فتح: 7 \ 431] كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه، فأيهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه. قالت