الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4855 [ ص: 473 ] 51 - باب: المهر بالعروض وخاتم من حديد

                                                                                                                                                                                                                              5150 - حدثنا يحيى ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل : " تزوج ولو بخاتم من حديد " . [انظر : 2310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 216 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث سهل أنه - عليه السلام -قال لرجل : "تزوج ولو بخاتم من حديد " .

                                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث ، فذهب قوم إلى أن النكاح على سور من القرآن مسماة جائز ، وقالوا : معنى ذلك أن يعلمها تلك السور ، وهذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال آخرون : لا يكون تعليم القرآن مهرا ، هذا قول مالك والليث وأبي حنيفة وأصحابه والمزني ، إلا أن أبا حنيفة قال : إذا تزوج على ذلك فالنكاح جائز ، وهو في حكم من لم يسم لها مهرا ، فلها مهر مثلها إن دخل بها ، وإن لم يدخل بها فلها المتعة .

                                                                                                                                                                                                                              حجة الشافعي حديث الباب قبله دال على جواز كون تعليم القرآن أو سورة منه صداقا ، وكما يجوز أخذ الأجرة عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الطحاوي فإنه أجاب بالخصوصية ولا يسلم له ، وسبقه إليه الليث .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه حديث وتبعه إليه الليث ، وفيه حديث في تفسير سعيد بن منصور ، وهو مرسل وضعيف . وحديث عند أبي الشيخ من حديث

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 474 ] جابر وابن عباس . وفيه العزرمي ، وكذا دعوى أنه زوجها منه عليه بحرمته لا على أنه مهر ، كما زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه . أي : لإسلامه .

                                                                                                                                                                                                                              وأول بعضهم قوله : "ولو خاتما من حديد " على تعجيل شيء يقدمه من الصداق ، وإن كان قليلا ، كقوله : "بعها ولو بضفير " يؤيده عدوله عن ذمته إليه ; إذ لم تجر عادتهم في وقته - عليه السلام - في المهور إلا بالشيء الثقيل ، وكل هذه دعاوى .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال الطحاوي : والدليل على أنه لم يتزوجها على أن يعلمها السورة عوضا من بضعها ، أن النكاح إذا وقع على مجهول فكما لم يسم ، فاحتيج إلى كونه معلوما ، كالأثمان والأجرة .

                                                                                                                                                                                                                              وجوابه : أن هذا ليس بمجهول ، بل جاء في بعض الروايات أنه وقع على معلوم ، ثم ادعى بأن الأصل المجمع عليه : لو أن رجلا استأجر رجلا على أن يعلمه سورة من القرآن سماها بدرهم ، أن ذلك لا يجوز . قال : وكذلك لو (استأجره ) أن يعلمه شعرا بعينه لم يجز ، قال : لأن الإجارات لا تجوز إلا على أحد معنيين ، إما على عمل بعينه -كغسل ثوب مثلا - أو على وقت معلوم ، وإذا استأجره على تعليم سورة فتلك إجارة ، لا على وقت معلوم ، ولا على عمل معلوم ، وإنما استأجره على أن يعلمه ، وقد يتعلم بقليل التعليم وكثيره في قليل الأوقات وكثيرها ، وكذلك لو باعه داره على أن يعلمه سورة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 475 ] من القرآن
                                                                                                                                                                                                                              لم يجز ; للمعاني المذكورة ، وإذا كان التعليم لا تملك به (المنافع ) ولا أعيان الأموال ثبت بالنظر أن لا تملك به الأبضاع . ولا يسلم ما ذكره .

                                                                                                                                                                                                                              وادعى ابن العربي أن ذكر الخاتم كان قبل النهي عنه بقوله : "إنه حلية أهل النار " ، فنسخ النهي جوازه والطلب له ، وما أبعد ما ذكره ، ودعوى من ادعى أنه على وجه المبالغة كما قال : "تصدقوا ولو بفرسن شاة " ، أو أنه كان يساوي ربع دينار فصاعدا ; لقلة الصناع حينئذ بعيد ، والحق أحق بالاتباع .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية