15131 6555 - (15559) - (3 \ 432 - 433) عن يحيى بن عبد الرحمن العصري ، حدثنا شهاب بن عباد : أنه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون : المنذر بن عائذ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أهذا الأشج " . وكان أول يوم وضع عليه هذا الاسم بضربة لوجهه بحافر حمار . قلنا : نعم يا رسول الله . فتخلف بعد القوم ، فعقل رواحلهم ، وضم متاعهم ، ثم أخرج عيبته ، فألقى عنه ثياب السفر ، ولبس من صالح ثيابه ، ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد بسط النبي صلى الله عليه وسلم رجله واتكأ ، فلما دنا منه الأشج ، أوسع القوم له ، وقالوا : ها هنا يا أشج . فقال النبي صلى الله عليه وسلم واستوى قاعدا ، وقبض رجله : "ها هنا يا أشج " . فقعد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم ، فرحب به ، وألطفه ، وسأله عن بلاده ، وسمى له قرية قرية ; الصفا والمشقر وغير ذلك من قرى هجر ، فقال : بأبي وأمي يا رسول الله ، لأنت أعلم بأسماء قرانا منا . فقال : "إني قد وطئت بلادكم ، وفسح لي فيها " . قال : ثم أقبل على الأنصار ! فقال : "يا معشر الأنصار !
[ ص: 395 ] الإسلام . أشبه شيء بكم أشعارا وأبشارا ، أسلموا طائعين غير مكرهين ، ولا موتورين ، إذ أبى قوم أن يسلموا حتى قتلوا " . أكرموا إخوانكم ، فإنهم أشباهكم في
قال : فلما أن أصبحوا ، قال : "كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إياكم ؟ " ، قالوا : خير إخوان ، ألانوا فراشنا ، وأطابوا مطعمنا ، وباتوا وأصبحوا يعلمونا كتاب ربنا - تبارك وتعالى - ، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم . فأعجبت النبي صلى الله عليه وسلم ، وفرح بها ، ثم أقبل علينا رجلا رجلا ، يعرضنا على ما تعلمنا وعلمنا ، فمنا من علم التحيات ، وأم الكتاب ، والسورة والسورتين والسنن ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : "هل معكم من أزوادكم شيء ؟ " ، ففرح القوم بذلك ، وابتدروا رحالهم ، فأقبل كل رجل منهم معه صبرة من تمر ، فوضعوها على نطع بين يديه ، فأومأ بجريدة في يده كان يختصر بها فوق الذراع ودون الذراعين ، فقال : "أتسمون هذا التعضوض ؟ " ، قلنا : نعم . ثم أومأ إلى صبرة أخرى ، فقال : "أتسمون هذا الصرفان ؟ " ، قلنا : نعم . ثم أومأ إلى صبرة ، فقال : "أتسمون هذا البرني ؟ " ، قلنا : نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما إنه خير تمركم وأنفعه لكم " .
قال : فرجعنا من وفادتنا تلك ، فأكثرنا الغرز منه ، وعظمت رغبتنا فيه حتى صار عظم نخلنا وتمرنا البرني .
فقال الأشج : يا رسول الله ! إن أرضنا أرض ثقيلة وخمة ، وإنا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيجت ألواننا ، وعظمت بطوننا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تشربوا في الدباء والحنتم والنقير ، وليشرب أحدكم في سقاء يلاث على فيه " ، فقال له الأشج : بأبي وأمي يا رسول الله ، رخص لنا في مثل هذه ، وأومأ بكفيه ، فقال : "يا أشج ! إني إن رخصت لك في مثل هذه - وقال بكفيه هكذا - شربته في مثل هذه - وفرج يديه وبسطها ، يعني : أعظم منها - ، حتى إذا ثمل أحدكم من شرابه ، قام إلى ابن عمه ، فهزر ساقه بالسيف " . وكان في الوفد رجل من بني عضل يقال له : الحارث ، قد هزرت ساقه في شراب لهم في بيت تمثله من الشعر في امرأة منهم ،
[ ص: 396 ] فقام بعض أهل ذلك البيت فهزر ساقه بالسيف . فقال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتد فرحهم بنا ، فلما انتهينا إلى القوم ، أوسعوا لنا ، فقعدنا ، فرحب بنا النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعا لنا ، ثم نظر إلينا ، فقال : "من سيدكم وزعيمكم ؟ " ، فأشرنا بأجمعنا إلى الحارث : لما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعلت أسدل ثوبي ، فأغطي الضربة بساقي ، وقد أبداها الله - تبارك وتعالى - .