الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            باب ما يحرم من الأجنبية وتحرم المؤمنة على الكافر ) عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ، قال : الحمو الموت .

                                                            التالي السابق


                                                            (الرابعة) قال النووي اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كابنه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم والأختان أقارب زوجة الرجل ، والأصهار تقع على النوعين قال القاضي عياض وفي الحم أربع لغات إحداها هذا حموك بضم الميم في الرفع ورأيت حماك ومررت بحميك ، والثانية هذا حمؤك بإسكان الميم وهمزة مرفوعة ورأيت حمأك ومررت بحمئك ، والثالثة حما كقفا هذا حماك ورأيت حماك ومررت بحماك ، والرابعة حم كأب وأصله حمو بفتح الحاء والميم ، وحماة المرأة أم زوجها لا يقال فيها غير هذا ، ومقتضى هذا الكلام أن لفظ هذا الحديث بالهمز ؛ لأنه لم يحك فيها مع إسكان الميم إلا الهمز وبه صرح أبو العباس القرطبي فقال وقد جاء الحمو في هذا الحديث مهموزا والهمز أحد لغاته لكن لم أر صاحب النهاية تبعا للهروي ذكر فيه الهمز وكذا ضبطناه بلا همز ويوافقه قول الخطابي حمو كدلو . والله أعلم .



                                                            (الخامسة) اختلف في المراد به [ ص: 42 ] هنا فحمله الأكثرون على أنه من ليس محرما للزوجة من أقارب الزوج وفي صحيح مسلم عن الليث بن سعد الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج كابن العم ونحوه وكذا قال النووي في شرح مسلم المراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه . انتهى .

                                                            وذهب آخرون إلى حمله على المحرم كالأب وغيره وجعلوا منع غيره من طريق الأولى ، فقال الترمذي في جامعه يقال : الحمو أبو الزوج كأنه كره له أن يخلو بها ، وكذا قال المازري إن الحمو هنا أبو الزوج وقال : إذا نهى عن أبي الزوج وهو محرم فكيف بالغريب ومشى على ذلك ابن الأثير في النهاية وقال النووي بعد ذكره القول الأول هذا هو صواب معنى الحديث ، وقال بعد ذكره الثاني : هذا كلام مردود لا يجوز حمل الحديث عليه .

                                                            (السادسة) اختلف أيضا في معنى قوله الحمو الموت فقال الخطابي : احذر الحمو كما تحذر الموت ، وقال النووي معناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي ، قال ونقل القاضي عياض عن أبي عبيد أن معنى الحمو الموت فليمت ولا يفعل هذا ، قال النووي : وهذا كلام فاسد بل الصواب ما قدمناه قال : وقال ابن الأعرابي هي كلمة تقولها العرب كما يقول : الأسد الموت أي لقاؤه مثل الموت ، وقال القاضي معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت فورد الكلام مورد التغليظ . انتهى .

                                                            وقال أبو العباس القرطبي : أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم التحريم وإنما بالغ في الحذر عن ذلك وشبهه بالموت لتسامح الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة لا لفهم ذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة عادة ، وخرج هذا مخرج قول العرب : الأسد الموت والحرب الموت ، أي لقاؤه يفضي إلى الموت ، وكذلك دخول الحم على المرأة يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها [ ص: 43 ] عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه . انتهى .

                                                            وهذا كله بتقدير تفسيره بغير المحرم فإن فسر بالمحرم فقال صاحب النهاية : يعني أن خلوة الحم معها أشد من خلوة غيره من الغرباء ؛ لأنه ربما حسن لها أشياء وحملها على أمور تثقل على الزوج من التماس ما ليس في وسعه أو سوء عشرته أو غير ذلك ؛ ولأن الزوج لا يؤثر أن يطلع الحم على باطن أحواله بدخول بيته . انتهى .

                                                            وهذا الذي ذكره إنما يتوقع من أقارب الزوجة لا من أقارب الزوج ، وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة يحتمل أن يكون بمعنى أنه لا بد من إباحة دخوله كما أنه لا بد من الموت .




                                                            الخدمات العلمية