ذكر الاستحباب للمرء أن يأمر بالمعروف من هو فوقه ومثله ودونه في الدين والدنيا إذا كان قصده فيه النصيحة دون التعيير . 
 288  - أخبرنا  الحسن بن سفيان  ، ومحمد بن الحسن بن قتيبة  واللفظ  للحسن  ، قالا : حدثنا محمد بن المتوكل هو ابن أبي السري  ، قال : حدثنا  الوليد بن مسلم  ، قال : حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام  ، عن أبيه  ، عن  جده  ، قال : قال  عبد الله بن سلام   : إن الله تبارك وتعالى لما أراد هدى زيد بن سعنة  ، قال زيد بن سعنة   : إنه لم يبق من علامات النبوة شيء  [ ص: 522 ] إلا وقد عرفتها في وجه محمد  صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله . قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرات ، ومعه  علي بن أبي طالب  ، فأتاه رجل على راحلته كالبدوي ، فقال : يا رسول الله ، قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام ، وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدا ، وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث ، وأنا أخشى ، يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا ، فإن رأيت أن ترسل إليهم من يغيثهم به فعلت . قال : فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل جانبه ، أراه  عمر  ، فقال : ما بقي منه شيء يا رسول الله . قال زيد بن سعنة   : فدنوت إليه فقلت له : يا محمد  ، هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا ؟ فقال : لا ، يا يهودي ، ولكن أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ، ولا أسمي حائط بني فلان ، قلت : نعم ، فبايعني صلى الله عليه وسلم ، فأطلقت همياني ، فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا ، قال : فأعطاها الرجل وقال : اعجل عليهم وأغثهم بها . قال زيد بن سعنة   : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة  [ ص: 523 ] رجل من الأنصار ومعه  أبو بكر  ،  وعمر  ،  وعثمان  ونفر من أصحابه ، فلما صلى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه ، فأخذت بمجامع قميصه ، ونظرت إليه بوجه غليظ ، ثم قلت : ألا تقضيني يا محمد  حقي ؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب  بمطل ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم ، قال : ونظرت إلى  عمر بن الخطاب  وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ، ثم رماني ببصره وقال : أي عدو الله ، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع ، وتفعل به ما أرى ؟ فوالذي بعثه بالحق ، لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى  عمر  في سكون وتؤدة ، ثم قال : إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا  عمر   : أن تأمرني بحسن الأداء ، وتأمره بحسن التباعة ، اذهب به يا  عمر  فاقضه حقه ، وزده عشرين صاعا من غيره مكان ما رعته . قال زيد   : فذهب بي  عمر  فقضاني حقي ، وزادني عشرين صاعا من تمر ، فقلت : ما هذه الزيادة ؟ قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك ، فقلت : أتعرفني يا  عمر  ؟ قال : لا ، فمن أنت ؟ قلت : أنا زيد بن سعنة  ، قال : الحبر ؟ قلت : نعم ، الحبر ، قال : فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت ، وتفعل به ما فعلت ؟ فقلت : يا  عمر  كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين  [ ص: 524 ] لم أختبرهما منه : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فقد اختبرتهما ، فأشهدك يا عمر  أني قد رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد  صلى الله عليه وسلم نبيا ، وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالا - صدقة على أمة محمد  صلى الله عليه وسلم ، فقال  عمر   : أو على بعضهم ، فإنك لا تسعهم كلهم ، قلت : أو على بعضهم . فرجع  عمر  وزيد  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال زيد   : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا  عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فآمن به وصدقه ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة ، ثم توفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر   . 
 [ ص: 525 ] رحم الله زيدا  ، قال : فسمعت  الوليد  ، يقول : حدثني بهذا كله محمد بن حمزة  ، عن أبيه ، عن جده ، عن  عبد الله بن سلام   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					