[ ص: 85 ] ذكر البيان بأن عائشة لما خيرها المصطفى صلى الله عليه وسلم اختارت الله جل وعلا وصفيه صلى الله عليه وسلم
4268 - أخبرنا قال : حدثنا ابن قتيبة قال : حدثنا ابن أبي السري قال : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ، قال : ابن عباس عن المرأتين اللتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله : عمر بن الخطاب إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما حتى حج فحججت معه ، فلما كان في بعض الطريق عدل ليتوضأ ، وعدلت معه بالإداوة ، فتبرز ، ثم أتاني ، فسكبت على يديه فتوضأ ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله : عمر إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، فقال : واعجبا لك يا عمر ، ثم قال : هي ابن عباس عائشة ، وحفصة ، ثم أنشأ يسوق الحديث . فقال : كنا معشر قريش قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدناهم قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، وكان منزلي في بني أمية بن زيد في العوالي ، قال : فتغضبت يوما على امرأتي ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت [ ص: 86 ] أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك ، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، قال : فانطلقت ، فدخلت على حفصة ، فقلت : أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : نعم ، وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل ، قال : قد قلت ، قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر ، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هي قد هلكت ، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تسأليه شيئا ، وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك - يريد عائشة -
قال : وكان لي جار من الأنصار ، وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فينزل يوما ، وأنزل يوما ، فيأتيني بخبر الوحي وغيره ، وأنزل فآتيه بمثل ذلك .
وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا ، قال : فنزل صاحبي يوما ثم أتاني ، فضرب على بابي ، ثم ناداني ، فخرجت إليه ، فقال : حدث أمر عظيم ، فقلت : ماذا ؟ أجاءت غسان ؟ قال : بل أعظم من ذلك وأطول ، طلق رسول الله نساءه ، فقلت : خابت حفصة وخسرت ، قد كنت أظن هذا كائنا .
فلما صليت الصبح شددت علي ثيابي ، ثم نزلت ، فدخلت على حفصة ، فإذا هي تبكي ، فقلت : أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : لا أدري ، هو ذا ، هو معتزل في هذه المشربة ، [ ص: 87 ] قال : فأتيت غلاما له أسود ، فقلت : استأذن فدخل الغلام ، ثم خرج إلي ، وقال : قد ذكرتك له فلم يقل شيئا ، فانطلقت حتى أتيت المسجد ، فإذا قوم حول المنبر جلوس يبكي بعضهم إلى بعض ، قال : فجلست قليلا ، ثم غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام ، فقلت : استأذن لعمر فدخل ، ثم خرج إلي ، فقال : قد ذكرتك له ، فصمت ، فرجعت فجلست إلى المنبر ، ثم غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام ، فقلت : استأذن لعمر فدخل ، ثم خرج إلي ، فقال : قد ذكرتك له فسكت ، فوليت مدبرا ، فإذا الغلام يدعوني ، ويقول : ادخل فقد أذن لك . لعمر
فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر بجنبه ، فقلت : أطلقت يا رسول الله نساءك ؟ قال : فرفع رأسه إلي ، وقال : لا ، فقلت : الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، فتغضبت على امرأتي يوما ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت ذلك عليها ، فقالت : أتنكر أن أراجعك ، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، قال : فقلت : قد خاب من فعل ذلك منهن وخسرت ، أتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هي قد هلكت ، قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا [ ص: 88 ] رسول الله ، فدخلت على حفصة ، فقلت لها : لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تسأليه شيئا ، وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم ، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرى ، فقلت : أستأنس يا رسول الله ؟ قال : نعم ، فجلست ، فرفعت رأسي في البيت ، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة ، فقلت : يا رسول الله ، ادع الله أن يوسع على أمتك ، فقد وسع الله على فارس والروم وهم لا يعبدونه ، قال : فاستوى جالسا ، وقال : أفي شك أنت يا ، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ، فقلت : استغفر لي يا رسول الله ، وكان أقسم لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله ابن الخطاب لم أزل حريصا أن أسأل .
قال ، فأخبرني الزهري عن عروة عائشة قالت : عائشة ، إني ذاكر لك أمرا فلا أريد أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ، قالت : ثم قرأ علي الآية : [ ص: 89 ] يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ، قالت عائشة : قد علم والله أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ، فقلت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة . فلما مضى تسع وعشرون ، دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بدأ بي ، فقلت : يا رسول الله ، إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا ، وإنك دخلت تسعا وعشرين أعدهن ، فقال صلى الله عليه وسلم : إن الشهر تسع وعشرون ، ثم قال : يا