[ ص: 177 ] ذكر وصف كيفية خروج المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة لما صعب الأمر على المسلمين بها
6277 - أخبرنا حدثنا عبد الله بن محمد الأزدي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، أنه أخبره عن عروة عائشة ، قالت : رضوان الله عليه مهاجرا قبل أبو بكر أرض الحبشة ، فلقيه ابن الدغنة سيد القارة ، فقال : أين يا ؟ قال : أخرجني قومي فأسيح في الأرض ، وأعبد ربي ، فقال له أبا بكر ابن الدغنة : إن مثلك يا لا يخرج ولا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتقري الضيف ، وتحمل الكل ، [ ص: 178 ] وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار ، فارتحل أبا بكر ابن الدغنة ، ورجع معه ، فقال لهم ، وطاف في كفار أبو بكر قريش : إن لا يخرج ولا يخرج مثله ، إنه يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق . أبا بكر
فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة ، فأمنوا ، وقالوا أبا بكر لابن الدغنة : مر أن يعبد ربه في داره ويصلي ما شاء ، ويقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا ، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره ، ففعل أبا بكر رضي الله عنه ذلك . أبو بكر
ثم بدا فابتنى مسجدا بفناء داره ، فكان يصلي فيه ، ويقرأ القرآن ، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، فيعجبون منه ، وينظرون إليه ، وكان لأبي بكر رضي الله عنه رجلا بكاء لا يملك دمعه إذا قرأ القرآن ، فأرسلوا إلى أبو بكر ابن الدغنة ، فقدم [ ص: 179 ] عليهم ، فقالوا : إنما أجرنا أن يعبد ربه في داره ، وإنه ابتنى مسجدا ، وإنه أعلن الصلاة والقراءة ، وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا ، فأته ، فقل له أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره ، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فليرد علينا ذمتك ، فإنا نكره أن نخفر ذمتك ، ولسنا بمقرين أبا بكر الاستعلان . لأبي بكر
فأتى ابن الدغنة ، فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترجع إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له . قال أبا بكر : فإني أرضى بجوار الله ، وجوار رسوله صلى الله عليه وسلم . أبو بكر
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين : أريت دار هجرتكم ، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين ، وهما حرتان . فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 180 ] ذلك ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين ، وتجهز مهاجرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك يا أبو بكر ، فإني أرجو أن يؤذن لي ، فقال : فداك أبي وأمي أوترجو ذلك ؟ قال : نعم ، فحبس أبا بكر رضي الله عنه نفسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصحابته ، وعلف راحلتين كانتا له ورق السمر أربعة أشهر أبو بكر لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، لم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا ، فلما ابتلي المسلمون خرج .
قال : قال الزهري : قالت عروة عائشة : إذ قائل يقول : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها . فقال لأبي بكر : فدى له أبي وأمي ، إن جاء به هذه الساعة لأمر . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذن فأذن له ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبو بكر أخرج من عندك ، فقال أبا بكر ، رضي الله عنه : يا رسول الله ، إنما هم أهلك . قال : فنعم ، قال : قد أذن لي . قال أبو بكر : فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فقال أبو بكر : بأبي أنت يا رسول الله ، فخذ إحدى راحلتي هاتين . فقال : نعم ، بالثمن . قالت : فجهزناهما أحث الجهاز ، [ ص: 181 ] وصنعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أبو بكر أسماء من نطاقها ، وأوكت به الجراب ، فلذلك كانت تسمى : ذات النطاق ، فلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار في جبل يقال له : ثور ، فمكثنا فيه ثلاث ليال .