ذكر صحبة  أبي بكر  رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم 
في هجرته إلى المدينة  
 6868  - أخبرنا  محمد بن الحسن بن قتيبة ،  حدثنا  ابن أبي السري  ، حدثنا  عبد الرزاق ،  أخبرنا  معمر  عن  الزهري  ، أخبرني  عروة بن الزبير  ،  [ ص: 284 ] أن عائشة  رضي الله عنها ، قالت : لم أعقل أبوي قط ، إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشيا ، فلما ابتلي المسلمون خرج  أبو بكر  مهاجرا قبل أرض الحبشة  ، حتى إذا بلغ برك الغماد  لقيه ابن الدغنة  ، وهو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا  أبا بكر  ؟ فقال  أبو بكر   : أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض ، فأعبد ربي ، فقال ابن الدغنة   : إن مثلك يا  أبا بكر  لا يخرج ولا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار ، فارجع فاعبد ربك ببلدك ، فارتحل ابن الدغنة  ، فرجع مع  أبي بكر  ، فطاف ابن الدغنة  في كفار قريش  ، وقال : إن  أبا بكر  لا يخرج مثله ، وتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق ؟ ! فأنفذت قريش  جوار ابن الدغنة  ، وأمنوا  أبا بكر  رضي الله عنه ، وقالت لابن الدغنة   : مر  أبا بكر  فليعبد ربه في داره ما شاء ،  [ ص: 285 ] وليصل فيها ما شاء ، وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا ، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره ، ففعل . 
ثم بدا  لأبي بكر  ، فابتنى مسجدا بفناء داره ، فكان يصلي فيه ، وتقف عليه نساء المشركين ، وأبناؤهم ، وهم يعجبون منه ، وينظرون إليه ، وكان  أبو بكر  رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف قريش  ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة  ، فقدم عليهم ، فقالوا : إنا قد أجرنا لك  أبا بكر  على أن يعبد الله في داره ، وإنه جاوز ذلك وابتنى مسجدا بفناء داره ، وأعلن بالصلاة والقراءة ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد الله في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك ، فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين  لأبي بكر  بالاستعلان . 
فأتى ابن الدغنة   أبا بكر  ، فقال : يا  أبا بكر  ، قد علمت الذي عقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترد ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له ، قال  أبو بكر   : فإني أرد إليك جوارك ، وأرضى بجوار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . 
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة  ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين : قد أريت دار هجرتكم ، أريت سبخة ذات نخل ، بين لابتين - وهما الحرتان - فهاجر من هاجر قبل المدينة  حين ذكر ذلك  [ ص: 286 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجع إلى المدينة  بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة  من المسلمين ، وتجهز  أبو بكر  رضي الله عنه مهاجرا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك ، فإني أرجو أن يؤذن لي ، قال  أبو بكر   : وترجو ذلك ، بأبي أنت ؟ قال : نعم ، فحبس  أبو بكر  نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحبته ، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر . 
قالت عائشة   : فبينا نحن جلوس يوما في بيتنا في نحر الظهيرة ، إذ قال قائل  لأبي بكر   : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مقنع في ساعة لم يكن يأتينا فيها ، قال  أبو بكر   : فداه أبي وأمي ، إن جاء به في هذه الساعة لأمر ، قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأذن ، فدخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حين دخل  لأبي بكر   : أخرج من عندك ، فقال  أبو بكر   : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أذن لي في الخروج ، قال  أبو بكر   : فالصحبة بأبي أنت يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فقال  أبو بكر   : بأبي أنت يا رسول الله ، فخذ إحدى راحلتي هاتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن . 
قالت عائشة   : فجهزناهما أحث الجهاز ، ووضعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر  من نطاقها ، وأوكت به الجراب ، فلذلك كانت تسمى : ذات النطاق ، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 287 ]  وأبو بكر  في غار في جبل يقال له : ثور  ، فمكثا فيه ثلاث ليال   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					