[ ص: 11 ] بسم الله الرحمن الرحيم
من حديث أمير المؤمنين
أبي الحسن
علي بن أبي طالب - عليه السلام -
أسيد بن صفوان عن
علي - عليه السلام -
397 - أخبرنا
أبو العباس أحمد بن يحيى بن بركة بن محفوظ الديبقي - من أصل سماعه الصحيح قبل تغيره - قلت له : أخبركم
أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري - قراءة عليه وأنت تسمع في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة - أنا
الشريف أبو الحسين محمد بن علي المهتدي [ ص: 12 ] بالله ، أنا
أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي بن المقرئ - قراءة عليه ، فأقر به - ثنا
محمد بن مخلد ،
والحسين بن إسماعيل قالا : ثنا
أحمد بن منصور زاج ، أنا
أحمد بن مصعب المروزي ، ثنا
عمر بن إبراهيم المدني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، عن
أسيد بن صفوان - وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=treesubj&link=31137_31139_31140_31141_31145_31160_31171_31179_31195_32338لما قبض nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر -رضي الله عنه - وسجي ، ارتجت المدينة بالبكاء كيوم قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء nindex.php?page=showalam&ids=8علي - عليه السلام - باكيا مسرعا مسترجعا ، وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبي ، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر ، وأبو بكر مسجى ، فقال : رحمك الله أبا بكر ، كنت إلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشورته ، وكنت أول القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله وأعظمهم غناء في دين الله ، وأحوطهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأحدبهم على الإسلام ، وآمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صحبة ، وأكثرهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأقربهم وسيلة ، وأشبههم هديا وسمتا ورحمة وفضلا ، وأشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه ، وأوثقهم عنده ، فجزاك الله عن رسوله وعن الإسلام خيرا .
كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة السمع والبصر ، صدقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حين كذبه - يعني الناس - فسماك الله في تنزيله صديقا فقال : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به أبو بكر .
واسيته حين بخلوا ، وكنت معه عند المكاره حين عنه قعدوا ، وصحبته في الشدة أكرم الصحبة ، ثاني اثنين ، وصاحبه في الغار ، والمنزل عليه السكينة ، ورفيقه في الهجرة ، وخليفته في دين الله وأمته أحسن خلافة حين ارتد الناس ، وقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي قط ، قويت حين [ ص: 13 ] وهن أصحابك ، وبرزت حين ضعفوا ، ولزمت منهاج رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إذ هموا ، كنت خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حقا ، لم تنازع ولم تصدع ، برغم المنافقين وكيد الكافرين وكره الحاسدين ، وضغن الفاسقين ، وغيظ الباغين .
وقمت بالأمر حين فشلوا ، ونطقت حين تتعتعوا ، ومضيت بنور الله إذ قعدوا ، تبعوك فهدوا ، وكنت أخفضهم صوتا ، وأعلاهم فوقا ، وأقلهم كلاما ، وأصوبهم منطقا ، وأطولهم صمتا ، وأبلغهم وأكثرهم رأيا ، وأسمحهم نفسا ، وأعرفهم بالأمور ، وأشرفهم علما .
كنت والله للدين يعسوبا أولا حين نفر عنه الناس ، وأخيرا حين قبلوا . كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا ، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا ورعيت ما أهملوا ، وحفظت ما أطاعوا بعلمك ما جهلوا ، وشمرت حين خنعوا ، وعلوت إذ هلعوا ، وصبرت إذ جزعوا ، وأدركت آثار ما طلبوا وتراجعوا رشدهم برأيك ، فظفروا فنالوا بك ما لم يحتسبوا .
كنت على الكافرين عذابا صبا ولهبا ، وللمؤمنين رحمة وأنسا وحصنا ، وظفرت والله بغنائها ، وفزت بحبائها وذهبت بفضائلها ، وأدركت سوابقها ، لم تعلل حجتك ، ولم يزغ قلبك ، ولم تجبن ، كنت كالجبل لا تحركه العواصف ، ولا تزيله القواصف ، وكنت كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أمن الناس عليه في صحبتك وذات يدك . وكنت كما قال رسول الله : ضعيفا في بدنك ، قويا في أمر الله عز وجل . متواضعا في نفسك ، عظيما عند الله ، جليلا في أعين المؤمنين ، كبيرا في أنفسهم ، لم يكن لأحد فيك مغمز ، ولا لقائل فيك مهمز ، ولا لأحد فيك مطمع ، ولا لمخلوق عندك هوادة ، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه ، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل [ ص: 14 ] حتى تأخذ منه الحق ، القريب والبعيد في ذلك سواء ، أقرب الناس إليك أطوعهم لله - عز وجل - وأتقاهم له ، شأنك الحق والصدق والرفق ، قولك حكم وأمرك حتم ، ورأيك علم وعزم ، فأبلغت وقد نهج السبيل وسهل العسير ، وأطفئت النيران ، واعتدل بك الدين وقوي بك الإيمان وسدت الإسلام والمسلمين ، وظهر أمر الله ، ولو كره الكافرون ، فجليت عنهم ، فأبصروا ، سبقت والله سبقا بعيدا ، وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا ، فزت بالخير فوزا مبينا فجللت عن البكاء ، وعظمت رزيتك في السماء ، وهدت مصيبتك الأنام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، رضينا عن الله قدره ، وسلمنا له أمره ، فوالله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بمثلك أبدا ، كنت للدين عزا وحرزا وكهفا ، وللمؤمنين فئة وحصنا وعونا ، وعلى المنافقين غلظة وغيظا ، فألحقك الله بنبيك - صلى الله عليه وسلم - ولا حرمنا أجرك ، ولا أضلنا بعدك ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
قال : وأمسك الناس حتى أمضى كلامه ، ثم بكوا حتى علت أصواتهم ، وقالوا : صدقت والله يا ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 11 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مِنْ حَدِيثِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
أَبِي الْحَسَنِ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
أَسِيدُ بْنُ صَفْوَانَ عَنْ
عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
397 - أَخْبَرَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ بَرَكَةَ بْنِ مَحْفُوظٍ الدَّيْبَقِيُّ - مِنْ أَصِلِ سَمَاعِهِ الصَّحِيحِ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ - قُلْتُ لَهُ : أَخْبَرَكُمْ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ - قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتَ تَسْمَعُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ - أَنَا
الشَّرِيفُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُهْتَدِي [ ص: 12 ] بِاللهِ ، أَنَا
أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُقْرِئِ - قِرَاءَةً عَلَيْهِ ، فَأَقَرَّ بِهِ - ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ ،
وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا : ثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ زَاجٌ ، أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُصْعَبٍ الْمَرْوَزِيُّ ، ثَنَا
عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16490عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ
أَسِيدِ بْنِ صَفْوَانَ - وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31137_31139_31140_31141_31145_31160_31171_31179_31195_32338لَمَّا قُبِضَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسُجِّيَ ، ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ بِالْبُكَاءِ كَيَوْمِ قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاكِيًا مُسْرِعًا مُسْتَرْجِعًا ، وَهُوَ يَقُولُ : الْيَوْمَ انْقَطَعَتْ خِلَافَةُ النَّبِيِّ ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ مُسَجًّى ، فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ ، كُنْتَ إِلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنِيسَهُ وَمُسْتَرَاحَهُ وَثِقَتَهُ وَمَوْضِعَ سِرِّهِ وَمَشُورَتِهِ ، وَكُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَامًا ، وَأَخْلَصَهُمْ إِيمَانًا ، وَأَشَدَّهُمْ يَقِينًا ، وَأَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ وَأَعْظَمَهُمْ غَنَاءً فِي دِينِ اللَّهِ ، وَأَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْدَبَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَآمَنَهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ ، وَأَحْسَنَهُمْ صُحْبَةً ، وَأَكْثَرَهُمْ مَنَاقِبَ ، وَأَكْثَرَهُمْ سَوَابِقَ ، وَأَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً ، وَأَقْرَبَهُمْ وَسِيلَةً ، وَأَشْبَهَهُمْ هَدْيًا وَسَمْتًا وَرَحْمَةً وَفَضْلًا ، وَأَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً ، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ ، وَأَوْثَقَهُمْ عِنْدَهُ ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ رَسُولِهِ وَعَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا .
كُنْتَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ ، صَدَّقْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ كَذَّبَهُ - يَعْنِي النَّاسَ - فَسَمَّاكَ اللَّهُ فِي تَنْزِيلِهِ صِدِّيقًا فَقَالَ : nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ .
وَاسَيْتَهُ حِينَ بَخِلُوا ، وَكُنْتَ مَعَهُ عِنْدَ الْمَكَارِهِ حِينَ عَنْهُ قَعَدُوا ، وَصَحِبْتَهُ فِي الشِّدَّةِ أَكْرَمَ الصُّحْبَةِ ، ثَانِيَ اثْنَيْنِ ، وَصَاحِبَهُ فِي الْغَارِ ، وَالْمُنَزَّلَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ ، وَرَفِيقَهُ فِي الْهِجْرَةِ ، وَخَلِيفَتَهُ فِي دِينِ اللَّهِ وَأُمَّتِهِ أَحْسَنَ خِلَافَةٍ حِينَ ارْتَدَّ النَّاسُ ، وَقُمْتَ بِالْأَمْرِ مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ خَلِيفَةُ نَبِيٍّ قَطُّ ، قَوِيتَ حِينَ [ ص: 13 ] وَهَنَ أَصْحَابُكَ ، وَبَرَزْتَ حِينَ ضَعُفُوا ، وَلَزِمْتَ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ هَمُّوا ، كُنْتَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا ، لَمْ تُنَازِعْ وَلَمْ تُصْدَعْ ، بِرَغْمِ الْمُنَافِقِينَ وَكَيْدِ الْكَافِرِينَ وَكُرْهِ الْحَاسِدِينَ ، وَضَغَنِ الْفَاسِقِينَ ، وَغَيْظِ الْبَاغِينَ .
وَقُمْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشَلُوا ، وَنَطَقْتَ حِينَ تَتَعْتَعُوا ، وَمَضَيْتَ بِنُورِ اللَّهِ إِذْ قَعَدُوا ، تَبِعُوكَ فَهُدُوا ، وَكُنْتَ أَخْفَضَهُمْ صَوْتًا ، وَأَعْلَاهُمْ فَوْقًا ، وَأَقَلَّهُمْ كَلَامًا ، وَأَصْوَبَهُمْ مَنْطِقًا ، وَأَطْوَلَهُمْ صَمْتًا ، وَأَبْلَغَهُمْ وَأَكْثَرَهُمْ رَأْيًا ، وَأَسْمَحَهُمْ نَفْسًا ، وَأَعْرَفَهُمْ بِالْأُمُورِ ، وَأَشْرَفَهُمْ عِلْمًا .
كُنْتَ وَاللهِ لِلدِّينِ يَعْسُوبًا أَوَّلًا حِينَ نَفَرَ عَنْهُ النَّاسُ ، وَأَخِيرًا حِينَ قَبِلُوا . كُنْتَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَبًا رَحِيمًا إِذْ صَارُوا عَلَيْكَ عِيَالًا ، فَحَمَلْتَ أَثْقَالَ مَا عَنْهُ ضَعُفُوا وَرَعَيْتَ مَا أَهْمَلُوا ، وَحَفِظْتَ مَا أَطَاعُوا بِعِلْمِكَ مَا جَهِلُوا ، وَشَمَّرْتَ حِينَ خَنَعُوا ، وَعَلَوْتَ إِذْ هَلَعُوا ، وَصَبَرْتَ إِذْ جَزَعُوا ، وَأَدْرَكَتْ آثَارَ مَا طَلَبُوا وَتَرَاجَعُوا رُشْدَهُمْ بِرَأْيِكَ ، فَظَفِرُوا فَنَالُوا بِكَ مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا .
كُنْتَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَذَابًا صَبًّا وَلَهَبًا ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةً وَأُنْسًا وَحِصْنًا ، وَظَفِرْتَ وَاللهِ بِغَنَائِهَا ، وَفُزْتَ بِحِبَائِهَا وَذَهَبْتَ بِفَضَائِلِهَا ، وَأَدْرَكْتَ سَوَابِقَهَا ، لَمْ تَعْلُلْ حُجَّتُكَ ، وَلَمْ يَزِغْ قَلْبُكَ ، وَلَمْ تَجْبُنْ ، كُنْتَ كَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ ، وَلَا تُزِيلُهُ الْقَوَاصِفُ ، وَكُنْتَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي صُحْبَتِكَ وَذَاتِ يَدِكَ . وَكُنْتَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ضَعِيفًا فِي بَدَنِكَ ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . مُتَوَاضِعًا فِي نَفْسِكَ ، عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ ، جَلِيلًا فِي أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ ، كَبِيرًا فِي أَنْفُسِهِمْ ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيكَ مَغْمَزٌ ، وَلَا لِقَائِلٍ فِيكَ مَهْمَزٌ ، وَلَا لِأَحَدٍ فِيكَ مَطْمَعٌ ، وَلَا لِمَخْلُوقٍ عِنْدَكَ هَوَادَةٌ ، الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ عِنْدَكَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ حَتَّى تَأْخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ ، وَالْقَوِيُّ الْعَزِيزُ عِنْدَكَ ضَعِيفٌ ذَلِيلٌ [ ص: 14 ] حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ ، الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْكَ أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَأَتْقَاهُمْ لَهُ ، شَأْنُكَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ ، قَوْلُكَ حُكْمٌ وَأَمْرُكَ حَتْمٌ ، وَرَأْيُكَ عِلْمٌ وَعَزْمٌ ، فَأَبْلَغْتَ وَقَدْ نُهِجَ السَّبِيلُ وَسَهُلَ الْعَسِيرُ ، وَأُطْفِئَتِ النِّيرَانُ ، وَاعْتَدَلَ بِكَ الدِّينُ وَقَوِيَ بِكَ الْإِيمَانُ وَسُدْتَ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، فَجَلَّيْتَ عَنْهُمْ ، فَأَبْصَرُوا ، سَبَقْتَ وَاللهِ سَبْقًا بَعِيدًا ، وَأَتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ إِتْعَابًا شَدِيدًا ، فُزْتَ بِالْخَيْرِ فَوْزًا مُبِينًا فَجَلَلْتَ عَنِ الْبُكَاءِ ، وَعَظُمَتْ رَزِيَّتُكَ فِي السَّمَاءِ ، وَهَدَّتْ مُصِيبَتُكَ الْأَنَامَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَدَرَهُ ، وَسَلَّمْنَا لَهُ أَمْرَهُ ، فَوَاللهِ لَنْ يُصَابَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِكَ أَبَدًا ، كُنْتَ لِلدِّينِ عِزًّا وَحِرْزًا وَكَهْفًا ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ فِئَةً وَحِصْنًا وَعَوْنًا ، وَعَلَى الْمُنَافِقِينَ غِلْظَةً وَغَيْظًا ، فَأَلْحَقَكَ اللَّهُ بِنَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حَرَمَنَا أَجْرَكَ ، وَلَا أَضَلَّنَا بَعْدَكَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
قَالَ : وَأَمْسَكَ النَّاسُ حَتَّى أَمْضَى كَلَامَهُ ، ثُمَّ بَكَوْا حَتَّى عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ ، وَقَالُوا : صَدَقْتَ وَاللهِ يَا خَتَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .