4087 [ 2145 ] وعن جابر أن أم سلمة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجمها. قال: حسبت أنه قال: كان أخاها من الرضاعة، أو غلاما لم يحتلم.

رواه أحمد (3 \ 350) ومسلم (2206) وأبو داود (4105) وابن ماجه (3408).

التالي السابق

الشرح

وَاسْتِئْذَانُ أُمِّ سَلَمَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحِجَامَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَفْعَلَ فِي نَفْسِهَا شَيْئًا مِنَ التَّدَاوِي أَوْ مَا يُشْبِهُهُ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَانِعًا لَهُ مِنْ حَقِّهِ أَوْ مُنَقِّصًا لِغَرَضِهِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَشْرَعُ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ كَانَ أَحْرَى وَأَوْلَى أَلَّا تَتَعَرَّضَ لِغَيْرِ الْقُرَبِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ مِنْ خَوْفِ مَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ شَدِيدٍ فَهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِذْنٍ; لِأَنَّهُ قَدِ الْتَحَقَ بِقِسْمِ الْوَاجِبَاتِ [ ص: 596 ] الْمُتَعَيَّنَةِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحِجَامَةَ وَمَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهَا مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى مُحَاوَلَةِ الْغَيْرِ، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنِ اسْتِئْذَانِ الزَّوْجِ لِنَظَرِهِ فِيمَنْ يَصْلُحُ وَفِيمَا يَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا لَمَّا عَلِمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مِنَ السَّبَبِ الْمُبِيحِ، كَمَا قَالَ الرَّاوِي: حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مُرَاعَاةَ هَذَا هِيَ الْوَاجِبَةُ مَتَى وُجِدَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى مُعَالَجَةِ الْكَبِيرِ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ؛ دَفْعًا لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ وَتَرْجِيحًا لِأَخَفِّ الْمَمْنُوعَيْنِ.

وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَا الْمَحْرَمِ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ مِنْ ذَاتِ مَحْرَمِهِ عَلَى بَعْضِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ، فَإِنَّ الْحِجَامَةَ غَالِبًا إِنَّمَا تَكُونُ مِنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ فِيمَا لَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ كَالْقَفَا وَالرَّأْسِ وَالسَّاقَيْنِ.

واستئذان أم سلمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحجامة دليل على أن المرأة لا ينبغي لها أن تفعل في نفسها شيئا من التداوي أو ما يشبهه إلا بإذن زوجها لإمكان أن يكون ذلك الشيء مانعا له من حقه أو منقصا لغرضه منها، وإن كانت لا تشرع في شيء من التطوعات التي يتقرب بها إلى الله تعالى إلا بإذن منه كان أحرى وأولى ألا تتعرض لغير القرب إلا بإذنه، اللهم إلا أن تدعو لذلك ضرورة من خوف موت أو مرض شديد فهذا لا يحتاج فيه إلى إذن; لأنه قد التحق بقسم الواجبات [ ص: 596 ] المتعينة.

وأيضا: فإن الحجامة وما يتنزل منزلتها مما يحتاج فيها إلى محاولة الغير، فلا بد فيها من استئذان الزوج لنظره فيمن يصلح وفيما يحل من ذلك، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا طيبة أن يحجمها لما علم أن بينهما من السبب المبيح، كما قال الراوي: حسبت أنه كان أخاها من الرضاعة، أو غلاما لم يحتلم. ولا شك في أن مراعاة هذا هي الواجبة متى وجد ذلك، فإن لم يوجد من يكون كذلك ودعت الضرورة إلى معالجة الكبير الأجنبي جاز؛ دفعا لأعظم الضررين وترجيحا لأخف الممنوعين.

وفيه من الفقه ما يدل على أن ذا المحرم يجوز أن يطلع من ذات محرمه على بعض ما يحرم على الأجنبي، وكذلك الصبي، فإن الحجامة غالبا إنما تكون من بدن المرأة فيما لا يجوز لأجنبي الاطلاع عليه كالقفا والرأس والساقين.