الباب الرابع : في تعارض العمومين ، ووقت جواز الحكم بالعموم ، وفيه فصول :
الفصل الأول : في التعارض .
اعلم أن المهم الأول معرفة محل التعارض ، فنقول
nindex.php?page=treesubj&link=22388كل ما دل العقل فيه على أحد الجانبين فليس للتعارض فيه مجال إذ الأدلة العقلية يستحيل نسخها ، وتكاذبها ، فإن ورد دليل سمعي على خلاف العقل فإما أن لا يكون متواترا فيعلم أنه غير صحيح ، وإما أن يكون متواترا ، فيكون مؤولا ، ولا يكون متعارضا .
وأما نص متواتر لا يحتمل الخطأ ، والتأويل ، وهو على خلاف دليل العقل فذلك محال ; لأن دليل العقل لا يقبل النسخ ، والبطلان ، مثال ذلك المؤول في العقليات قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62خالق كل شيء } إذ خرج بدليل العقل ذات القديم وصفاته ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101وهو بكل شيء عليم } دل العقل على عمومه ، ولا يعارضه قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18قل أتنبئون الله بما لا يعلم } إذ معناه ما لا يعلم له أصلا أي : يعلم أنه لا أصل له ، ولا يعارضه قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } إذ معناه أنه يعلم المجاهدة كائنة ، وحاصلة ، وفي الأزل لا يوصف علمه بتعلقه بحصول المجاهدة قبل حصولها .
وكذلك قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17وتخلقون إفكا } لا يعارض قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62خالق كل شيء } ; لأن المعني به الكذب دون الإيجاد ، وكذلك قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير } ; لأن معناه تقدر
[ ص: 253 ] والخلق هو التقدير ، وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14أحسن الخالقين } أي : المقدرين ، وهكذا أبدا تأويل ما خالف دليل العقل أو خالف دليلا شرعيا دل العقل على عمومه . أما
nindex.php?page=treesubj&link=22388الشرعيات فإذا تعارض فيها دليلان فإما أن يستحيل الجمع أو يمكن ، فإن امتنع الجمع لكونهما متناقضين كقوله مثلا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35954من بدل دينه فاقتلوه } من بدل دينه فلا تقتلوه . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31703لا يصح نكاح بغير ولي } ، " يصح نكاح بغير ولي " .
فمثل هذا لا بد أن يكون أحدهما ناسخا ، والآخر منسوخا ، فإن أشكل التاريخ فيطلب الحكم من دليل آخر ، ويقدر تدافع النصين ، فإن عجزنا عن دليل آخر فنتخير العمل بأيهما شئنا ; لأن الممكنات أربعة : العمل بهما ، وهو متناقض ، أو اطراحهما ، وهو إخلاء الواقعة عن الحكم ، وهو متناقض ، أو استعمال واحد بغير مرجح ، وهو تحكم ، فلا يبقى إلا التخير الذي يجوز ورود التعبد به ابتداء فإن الله تعالى لو كلفنا واحدا بعينه لنصب عليه دليلا ، ولجعل لنا إليه سبيلا ، إذ لا يجوز تكليف بالمحال .
، وفي التخيير بين الدليلين المتعارضين مزيد غور سنذكره في كتاب الاجتهاد عند تخير المجتهد ، وتحيره . أما إذا أمكن الجمع بوجه ما فهو على مراتب :
المرتبة الأولى : عام ، وخاص ، كقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فيما سقت السماء العشر } مع قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30823لا صدقة فيما دون خمسة أوسق } فقد ذكرنا من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أن التعارض واقع لإمكان كون أحدهما نسخا بتقدير إرادة العموم بالعام ، والمختار أن يجعل بيانا ، ولا يقدر النسخ إلا لضرورة فإن فيه تقدير دخول ما دون النصاب تحت وجوب العشر ثم خروجه منه ، وذلك لا سبيل إلى إثباته بالتوهم من غير ضرورة .
المرتبة الثانية : وهي قريبة من الأولى : أن يكون اللفظ المؤول قويا في الظهور بعيدا عن التأويل لا ينقدح تأويله إلا بقرينة ، فكلام
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي فيه أوجه ، ومثاله قوله : عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنما الربا في النسيئة } كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فإنه كالصريح في نفي ربا الفضل ، ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت في قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14127الحنطة بالحنطة مثلا بمثل } صريح في إثبات ربا الفضل ، فيمكن أن يكون أحدهما ناسخا للآخر ، ويمكن أن يكون قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنما الربا في النسيئة } أي : في مختلفي الجنس ، ويكون قد خرج على سؤال خاص عن المختلفين أو حاجة خاصة حتى ينقدح الاحتمال ، والجمع بهذا التقدير ممكن ، والمختار أنه ، وإن بعد أولى من تقدير النسخ ، وللقاضي أن يقول : قطعكم بأنه أراد به الجنسين تحكم لا يدل عليه قاطع ، ويخالف ظاهر اللفظ المفيد للظن ، والتحكم بتقدير ليس يعضده دليل قطعي ، ولا ظني لا وجه له .
قلنا : يحملنا عليه ضرورة الاحتراز عن النسخ ، فيقول : فما المانع من تقدير النسخ ، وليس في إثباته ارتكاب محال ، ولا مخالفة دليل قطعي ، ولا ظني ؟ ، وفيما ذكرتم مخالفة صيغة العموم ، ودلالة اللفظ ، وهو دليل ظني ، فما هو الخوف ، والحذر من النسخ ، وإمكانه كإمكان البيان فليس أحدهما بأولى من الآخر ؟ فإن
قلنا : البيان أغلب على عادة الرسول عليه السلام من النسخ ، وهو أكثر وقوعا فله أن يقول : وما الدليل على جواز الأخذ بالاحتمال الأكثر ؟ وإذا اشتبهت رضيعة بعشر نسوة فالأكثر حلال ، وإذا اشتبه إناء نجس بعشر أوان طاهرة فلا ترجيح للأكثر بل لا بد من الاجتهاد ، والدليل ، ولا يجوز أن يأخذ واحدا ، ويقدر حله أو طهارته ; لأن جنسه أكثر .
لكنا نقول : الظن
[ ص: 254 ] عبارة عن أغلب الاحتمالين ، ولكن لا يجوز اتباعه إلا بدليل فخبر الواحد لا يورث إلا غلبة الظن من حيث إن صدق العدل أكثر ، وأغلب من كذبه وصيغة العموم تتبع ; لأن إرادة ما يدل عليه الظاهر أغلب ، وأكثر من وقوع غيره ، والفرق بين الفرع ، والأصل ممكن غير مقطوع ببطلانه في الأقيسة الظنية لكن الجمع أغلب على الظن ، واتباع الظن في هذه الأصول لا لكونه ظنا لكن لعمل الصحابة به ، واتفاقهم عليه ، فكذا نعلم من سيرة الصحابة أنهم ما اعتقدوا كون غير القرآن منسوخا من أوله إلى آخره ، ولم يبق فيه عام لم يخصص إلا قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101وهو بكل شيء عليم } ، وألفاظ نادرة ، بل قدروا جملة ذلك بيانا ، وورد العام ، والخاص في الأخبار ، ولا يتطرق النسخ إلى الخبر كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=30وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون } تخصيصا لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=35هذا يوم لا ينطقون } ، وتخصيص قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء } ، و {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تدمر كل شيء بأمر ربها } ، و {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57يجبى إليه ثمرات كل شيء } ، وكانوا لا ينسخون إلا بنص ، وضرورة أما بالتوهم فلا .
ولعل السبب أن في جعلهما متضادين إسقاطهما إذا لم يظهر التاريخ ، وفي جعله بيانا استعمالهما ، وإذا تخيرنا بين الاستعمال ، والإسقاط فالاستعمال هو الأصل ، ولا يجوز الإسقاط إلا لضرورة
تنبيه : اعلم أن
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أيضا إنما يقدر النسخ بشرط أن لا يظهر دلالة على إرادة البيان ، مثاله قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30628لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ، ولا عصب } عام يعارضه خصوص قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8962أيما إهاب دبغ فقد طهر } ; لكن
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي يقدره نسخا بشرطين
أحدهما : أن لا يثبت في اللسان اختصاص اسم الإهاب بغير المدبوغ فقد قيل : ما لم يدبغ الجلد يسمى إهابا فإذا دبغ فأديم وصرم ، وغيره ، فإن صح هذا فلا تعارض بين اللفظين .
الثاني : أنه روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه عليه السلام مر بشاة
لميمونة ميتة فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1625ألا أخذوا إهابها فدبغوه ، وانتفعوا به } وكانوا قد تركوها لكونها ميتة ، ثم كتب {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30628لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ، ولا عصب } فساق الحديث سياقا يشعر بأنه جرى متصلا ، فيكون بيانا لا ناسخا ; لأن شرط النسخ التراخي .
المرتبة الثالثة من التعارض : أن يتعارض عمومان ، فيزيد أحدهما على الآخر من وجه ، وينقص عنه من وجه ، مثاله قوله : عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35954من بدل دينه فاقتلوه } فإنه يعم النساء ، مع قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38774نهيت عن قتل النساء } فإنه يعم المرتدات ، وكذلك قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38770نهيت عن الصلاة بعد العصر } فإنه يعم الفائتة أيضا ، مع قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37462من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } فإنه يعم المستيقظ بعد العصر .
، وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين } فإنه يشمل جمع الأختين في ملك اليمين أيضا مع قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أو ما ملكت أيمانكم } فإنه يحل الجمع بين الأختين بعمومه ، فيمكن أن يخصص قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين } بجمع الأختين في النكاح دون ملك اليمين لعموم قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أو ما ملكت أيمانكم } فهو على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي تعارض ، وتدافع بتقدير النسخ ، ويشهد له قول
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=7، وعثمان رضي الله عنهما لما سئلا عن هذه المسألة أعني : جمع أختين
[ ص: 255 ] في ملك اليمين فقالا : " حرمتهما آية ، وحللتهما آية " .
أما على مذهبنا في حمله على البيان ما أمكن ليس أيضا أحدهما بأولى من الآخر ما لم يظهر ترجيح ، وقد ظهر ، فنقول : حفظ عموم قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين } أولى لمعنيين أحدهما أنه عموم لم يتطرق إليه تخصيص متفق فهو أقوى من عموم تطرق إليه التخصيص بالاتفاق ، إذ قد استثني عن تحليل ملك اليمين المشتركة والمستبرأة ، والمجوسية ، والأخت من الرضاع ، والنسب ، وسائر المحرمات ، أما الجمع بين الأختين فحرام على العموم الثاني : أن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين } سيق بعد ذكر المحرمات ، وعدها على الاستقصاء إلحاقا لمحرمات تعم الحرائر ، والإماء ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أو ما ملكت أيمانكم } ما سيق لبيان المحللات قصدا بل في معرض الثناء على أهل التقوى الحافظين فروجهم عن غير الزوجات ، والسراري فلا يظهر منه قصد البيان .
فإن قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=22429هل يجوز أن يتعارض عمومان ، ويخلوا عن دليل الترجيح ؟ قلنا قال قوم : لا يجوز ذلك ; لأنه يؤدي إلى التهمة ، ووقوع الشبهة لتناقض الكلامين ، وهو منفر عن الطاعة ، والاتباع ، والتصديق ، وهذا فاسد بل ذلك جائز ، ويكون ذلك مبينا لأهل العصر الأول ، وإنما خفي علينا لطول المدة ، واندراس القرائن ، والأدلة ، ويكون ذلك محنة ، وتكليفا علينا لنطلب الدليل من وجه آخر من ترجيح أو نتخير ، ولا تكليف في حقنا إلا بما بلغنا فليس فيه محال ، وأما ما ذكروه من التنفير ، والتهمة فباطل ، ; لأن ذلك قد نفر طائفة من الكفار في ورود النسخ حتى قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر } الآية ، ثم ذلك لم يدل على استحالة النسخ .
الْبَابُ الرَّابِعُ : فِي تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ ، وَوَقْتِ جَوَازِ الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ ، وَفِيهِ فُصُولٌ :
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي التَّعَارُضِ .
اعْلَمْ أَنَّ الْمُهِمَّ الْأَوَّلَ مَعْرِفَةُ مَحَلِّ التَّعَارُضِ ، فَنَقُولُ
nindex.php?page=treesubj&link=22388كُلُّ مَا دَلَّ الْعَقْلُ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ لِلتَّعَارُضِ فِيهِ مَجَالٌ إذْ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ يَسْتَحِيلُ نَسْخُهَا ، وَتَكَاذُبُهَا ، فَإِنْ وَرَدَ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْعَقْلِ فَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَوَاتِرًا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا ، فَيَكُونَ مُؤَوَّلًا ، وَلَا يَكُونَ مُتَعَارِضًا .
وَأَمَّا نَصٌّ مُتَوَاتِرٌ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ ، وَالتَّأْوِيلَ ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ دَلِيلِ الْعَقْلِ فَذَلِكَ مُحَالٌ ; لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ ، وَالْبُطْلَانَ ، مِثَالُ ذَلِكَ الْمُؤَوَّلُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } إذْ خَرَجَ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ ذَاتُ الْقَدِيمِ وَصِفَاتُهُ ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى عُمُومِهِ ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ } إذْ مَعْنَاهُ مَا لَا يَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا أَيْ : يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُجَاهَدَةَ كَائِنَةً ، وَحَاصِلَةً ، وَفِي الْأَزَلِ لَا يُوصَفُ عِلْمُهُ بِتَعَلُّقِهِ بِحُصُولِ الْمُجَاهَدَةِ قَبْلَ حُصُولِهَا .
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17وَتَخْلُقُونَ إفْكًا } لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=62خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } ; لِأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهِ الْكَذِبُ دُونَ الْإِيجَادِ ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ } ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ تُقَدِّرُ
[ ص: 253 ] وَالْخَلْقُ هُوَ التَّقْدِيرُ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } أَيْ : الْمُقَدِّرِينَ ، وَهَكَذَا أَبَدًا تَأْوِيلُ مَا خَالَفَ دَلِيلَ الْعَقْلِ أَوْ خَالَفَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى عُمُومِهِ . أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=22388الشَّرْعِيَّاتُ فَإِذَا تَعَارَضَ فِيهَا دَلِيلَانِ فَإِمَّا أَنْ يَسْتَحِيلَ الْجَمْعُ أَوْ يُمْكِنَ ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمْعُ لِكَوْنِهِمَا مُتَنَاقِضَيْنِ كَقَوْلِهِ مَثَلًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35954مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَلَا تَقْتُلُوهُ . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31703لَا يَصِحُّ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ } ، " يَصِحُّ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ " .
فَمِثْلُ هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا ، وَالْآخَرُ مَنْسُوخًا ، فَإِنْ أَشْكَلَ التَّارِيخُ فَيُطْلَبُ الْحُكْمُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ ، وَيُقَدَّرُ تَدَافُعُ النَّصَّيْنِ ، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَنَتَخَيَّرُ الْعَمَلَ بِأَيِّهِمَا شِئْنَا ; لِأَنَّ الْمُمْكِنَاتِ أَرْبَعَةٌ : الْعَمَلُ بِهِمَا ، وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ ، أَوْ اطِّرَاحُهُمَا ، وَهُوَ إخْلَاءُ الْوَاقِعَةِ عَنْ الْحُكْمِ ، وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ ، أَوْ اسْتِعْمَالُ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ ، وَهُوَ تَحَكُّمٌ ، فَلَا يَبْقَى إلَّا التَّخَيُّرُ الَّذِي يَجُوزُ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِهِ ابْتِدَاءً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ كَلَّفَنَا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَنَصَّبَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ، وَلَجَعَلَ لَنَا إلَيْهِ سَبِيلًا ، إذْ لَا يَجُوزُ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ .
، وَفِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ مَزِيدُ غَوْرٍ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ تَخَيُّرِ الْمُجْتَهِدِ ، وَتَحَيُّرِهِ . أَمَّا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِوَجْهٍ مَا فَهُوَ عَلَى مَرَاتِبَ :
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى : عَامٌّ ، وَخَاصٌّ ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25263فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ } مَعَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30823لَا صَدَقَةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ } فَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَنَّ التَّعَارُضَ وَاقِعٌ لِإِمْكَانِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا نَسْخًا بِتَقْدِيرِ إرَادَةِ الْعُمُومِ بِالْعَامِّ ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُجْعَلَ بَيَانًا ، وَلَا يُقَدَّرُ النَّسْخُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنَّ فِيهِ تَقْدِيرَ دُخُولِ مَا دُونَ النِّصَابِ تَحْتَ وُجُوبِ الْعُشْرِ ثُمَّ خُرُوجِهِ مِنْهُ ، وَذَلِكَ لَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالتَّوَهُّمِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ .
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ : وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْأُولَى : أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْمُؤَوَّلُ قَوِيًّا فِي الظُّهُورِ بَعِيدًا عَنْ التَّأْوِيلِ لَا يَنْقَدِحُ تَأْوِيلُهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ ، فَكَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي فِيهِ أَوْجَهُ ، وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ : عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } كَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ ، وَرِوَايَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14127الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ } صَرِيحٌ فِي إثْبَاتِ رِبَا الْفَضْلِ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } أَيْ : فِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ ، وَيَكُونُ قَدْ خَرَجَ عَلَى سُؤَالٍ خَاصٍّ عَنْ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَوْ حَاجَةٍ خَاصَّةٍ حَتَّى يَنْقَدِحَ الِاحْتِمَالُ ، وَالْجَمْعُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ مُمْكِنٌ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ ، وَإِنْ بَعُدَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ النَّسْخِ ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ : قَطْعُكُمْ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَيْنِ تَحَكُّمٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَاطِعٌ ، وَيُخَالِفُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِلظَّنِّ ، وَالتَّحَكُّمُ بِتَقْدِيرٍ لَيْسَ يُعَضِّدُهُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ ، وَلَا ظَنِّيٌّ لَا وَجْهَ لَهُ .
قُلْنَا : يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ ضَرُورَةُ الِاحْتِرَازِ عَنْ النَّسْخِ ، فَيَقُولُ : فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَقْدِيرِ النَّسْخِ ، وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِهِ ارْتِكَابُ مُحَالٍ ، وَلَا مُخَالَفَةُ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ ، وَلَا ظَنِّيٍّ ؟ ، وَفِيمَا ذَكَرْتُمْ مُخَالَفَةُ صِيغَةِ الْعُمُومِ ، وَدَلَالَةِ اللَّفْظِ ، وَهُوَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ ، فَمَا هُوَ الْخَوْفُ ، وَالْحَذَرُ مِنْ النَّسْخِ ، وَإِمْكَانُهُ كَإِمْكَانِ الْبَيَانِ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ؟ فَإِنْ
قُلْنَا : الْبَيَانُ أَغْلَبُ عَلَى عَادَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ النَّسْخِ ، وَهُوَ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِالِاحْتِمَالِ الْأَكْثَرِ ؟ وَإِذَا اشْتَبَهَتْ رَضِيعَةٌ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ فَالْأَكْثَرُ حَلَالٌ ، وَإِذَا اشْتَبَهَ إنَاءٌ نَجِسٌ بِعَشْرِ أَوَانٍ طَاهِرَةٍ فَلَا تَرْجِيحَ لِلْأَكْثَرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِهَادِ ، وَالدَّلِيلِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ وَاحِدًا ، وَيُقَدِّرَ حِلَّهُ أَوْ طَهَارَتَهُ ; لِأَنَّ جِنْسَهُ أَكْثَرُ .
لَكِنَّا نَقُولُ : الظَّنُّ
[ ص: 254 ] عِبَارَةٌ عَنْ أَغْلَبِ الِاحْتِمَالَيْنِ ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُورِثُ إلَّا غَلَبَةَ الظَّنِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ صِدْقَ الْعَدْلِ أَكْثَرُ ، وَأَغْلَبُ مِنْ كَذِبِهِ وَصِيغَةُ الْعُمُومِ تُتَّبَعُ ; لِأَنَّ إرَادَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ أَغْلَبُ ، وَأَكْثَرُ مِنْ وُقُوعِ غَيْرِهِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْعِ ، وَالْأَصْلِ مُمْكِنٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِبُطْلَانِهِ فِي الْأَقْيِسَةِ الظَّنِّيَّةِ لَكِنَّ الْجَمْعَ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ ، وَاتِّبَاعُ الظَّنِّ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ لَا لِكَوْنِهِ ظَنًّا لَكِنْ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِهِ ، وَاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ ، فَكَذَا نَعْلَمُ مِنْ سِيرَةِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ مَا اعْتَقَدُوا كَوْنَ غَيْرِ الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ عَامٌّ لَمْ يُخَصَّصْ إلَّا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، وَأَلْفَاظٌ نَادِرَةٌ ، بَلْ قَدَّرُوا جُمْلَةَ ذَلِكَ بَيَانًا ، وَوَرَدَ الْعَامُّ ، وَالْخَاصُّ فِي الْأَخْبَارِ ، وَلَا يَتَطَرَّقُ النَّسْخُ إلَى الْخَبَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=30وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ } تَخْصِيصًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=35هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ } ، وَتَخْصِيص قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } ، وَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } ، وَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } ، وَكَانُوا لَا يَنْسَخُونَ إلَّا بِنَصٍّ ، وَضَرُورَةٍ أَمَّا بِالتَّوَهُّمِ فَلَا .
وَلَعَلَّ السَّبَبَ أَنَّ فِي جَعْلِهِمَا مُتَضَادَّيْنِ إسْقَاطَهُمَا إذَا لَمْ يُظْهِرْ التَّارِيخُ ، وَفِي جَعْلِهِ بَيَانًا اسْتِعْمَالَهُمَا ، وَإِذَا تَخَيَّرْنَا بَيْنَ الِاسْتِعْمَالِ ، وَالْإِسْقَاطِ فَالِاسْتِعْمَالُ هُوَ الْأَصْلُ ، وَلَا يَجُوزُ الْإِسْقَاطُ إلَّا لِضَرُورَةٍ
تَنْبِيهٌ : اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِيَ أَيْضًا إنَّمَا يُقَدِّرُ النَّسْخَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُظْهِرَ دَلَالَةً عَلَى إرَادَةِ الْبَيَانِ ، مِثَالُهُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30628لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ ، وَلَا عَصَبٍ } عَامٌّ يُعَارِضُهُ خُصُوصُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8962أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ } ; لَكِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِيَ يُقَدِّرُهُ نَسْخًا بِشَرْطَيْنِ
أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا يَثْبُتَ فِي اللِّسَانِ اخْتِصَاصُ اسْمِ الْإِهَابِ بِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ فَقَدْ قِيلَ : مَا لَمْ يُدْبَغْ الْجِلْدُ يُسَمَّى إهَابًا فَإِذَا دُبِغَ فَأَدِيمٌ وَصَرْمٌ ، وَغَيْرُهُ ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِشَاةٍ
لِمَيْمُونَةَ مَيِّتَةٍ فَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1625أَلَا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ ، وَانْتَفَعُوا بِهِ } وَكَانُوا قَدْ تَرَكُوهَا لِكَوْنِهَا مَيْتَةً ، ثُمَّ كَتَبَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30628لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ ، وَلَا عَصَبٍ } فَسَاقَ الْحَدِيثَ سِيَاقًا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ جَرَى مُتَّصِلًا ، فَيَكُونُ بَيَانًا لَا نَاسِخًا ; لِأَنَّ شَرْطَ النَّسْخِ التَّرَاخِي .
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ التَّعَارُضِ : أَنْ يَتَعَارَضَ عُمُومَانِ ، فَيَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ ، وَيَنْقُصُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ ، مِثَالُهُ قَوْلُهُ : عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35954مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } فَإِنَّهُ يَعُمُّ النِّسَاءَ ، مَعَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38774نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ } فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْمُرْتَدَّاتِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38770نُهِيتُ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ } فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْفَائِتَةَ أَيْضًا ، مَعَ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37462مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْمُسْتَيْقِظَ بَعْدَ الْعَصْرِ .
، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } فَإِنَّهُ يَشْمَلُ جَمْعَ الْأُخْتَيْنِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فَإِنَّهُ يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِعُمُومِهِ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُخَصَّصَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } بِجَمْعِ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي تَعَارُضٌ ، وَتَدَافُعٌ بِتَقْدِيرِ النَّسْخِ ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=7، وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا سُئِلَا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي : جَمْعَ أُخْتَيْنِ
[ ص: 255 ] فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَا : " حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ ، وَحَلَّلَتْهُمَا آيَةٌ " .
أَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فِي حَمْلِهِ عَلَى الْبَيَانِ مَا أَمْكَنَ لَيْسَ أَيْضًا أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَرْجِيحٌ ، وَقَدْ ظَهَرَ ، فَنَقُولُ : حِفْظُ عُمُومِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } أَوْلَى لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عُمُومٌ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ تَخْصِيصٌ مُتَّفَقٌ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ عُمُومٍ تَطَرَّقَ إلَيْهِ التَّخْصِيصُ بِالِاتِّفَاقِ ، إذْ قَدْ اُسْتُثْنِيَ عَنْ تَحْلِيلِ مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُسْتَبْرَأَةِ ، وَالْمَجُوسِيَّةِ ، وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ ، وَالنَّسَبِ ، وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ ، أَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَحَرَامٌ عَلَى الْعُمُومِ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } سِيقَ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَعَدِّهَا عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ إلْحَاقًا لِمُحَرَّمَاتٍ تَعُمُّ الْحَرَائِرَ ، وَالْإِمَاءَ ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } مَا سِيقَ لِبَيَانِ الْمُحَلَّلَاتِ قَصْدًا بَلْ فِي مَعْرَضِ الثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِ التَّقْوَى الْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ عَنْ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ ، وَالسَّرَارِي فَلَا يَظْهَرُ مِنْهُ قَصْدُ الْبَيَانِ .
فَإِنْ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=22429هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَارَضَ عُمُومَانِ ، وَيَخْلُوَا عَنْ دَلِيلِ التَّرْجِيحِ ؟ قُلْنَا قَالَ قَوْمٌ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التُّهْمَةِ ، وَوُقُوعِ الشُّبْهَةِ لِتَنَاقُضِ الْكَلَامَيْنِ ، وَهُوَ مُنَفِّرٌ عَنْ الطَّاعَةِ ، وَالِاتِّبَاعِ ، وَالتَّصْدِيقِ ، وَهَذَا فَاسِدٌ بَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مُبَيَّنًا لِأَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ ، وَإِنَّمَا خَفِيَ عَلَيْنَا لِطُولِ الْمُدَّةِ ، وَانْدِرَاسِ الْقَرَائِنِ ، وَالْأَدِلَّةِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِحْنَةً ، وَتَكْلِيفًا عَلَيْنَا لِنَطْلُبَ الدَّلِيلَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ تَرْجِيحٍ أَوْ نَتَخَيَّرَ ، وَلَا تَكْلِيفَ فِي حَقِّنَا إلَّا بِمَا بَلَغَنَا فَلَيْسَ فِيهِ مُحَالٌ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّنْفِيرِ ، وَالتُّهْمَةِ فَبَاطِلٌ ، ; لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ نَفَّرَ طَائِفَةً مِنْ الْكُفَّارِ فِي وُرُودِ النَّسْخِ حَتَّى قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } الْآيَةَ ، ثُمَّ ذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى اسْتِحَالَةِ النَّسْخِ .