و ( منها ) أن لا يكون وصفها حكما شرعيا عند قوم لأنه معلول فكيف يكون علة . والمختار جواز
nindex.php?page=treesubj&link=21792_21797تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي ، كقولنا : حرم الانتفاع بالخمر فيبطل بيعه ، لأن الحكم قد يدور مع الحكم الآخر وجودا وعدما ، والدوران يفيد ظن العلية ، ولأن العلة بمعنى المعرف ولا بعد في أن يجعل حكم معرفا لحكم آخر بأن يقول الشارع : رأيتموني أثبت الحكم الفلاني في الصورة الفلانية ، فاعلموا أني أثبت الحكم الفلاني فيها أيضا . ونقله
الهندي عن الأكثرين . وقال
السهيلي إنه هو الصحيح من مذهب الأصوليين ، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور عن عامة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ( قال ) وقد قاس
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رقبة الظهار على الرقبة في القتل ، وفي أن الإيمان شرط فيهما ، بأن
[ ص: 210 ] كل واحدة كفارة بالعتق ، وقال في زكاة مال اليتيم : لأنه مالك تام الملك ، وقال في الذمي : يصح ظهاره لأنه يصح طلاقه كالمسلم ، وقاس الوضوء على التيمم في النية بأنهما طهران عن حدث .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : كل فطر معصية فيها الكفارة كالفطر بالوطء ، وقال أصحاب الرأي : المني نجس لأنه ينقض الطهارة بخروجه من البدن كالبول ( انتهى ) .
وقال
ابن القطان حكم تلك العلة لا يجوز أن يكون علة كقولنا : حرم الربا لأنه ربا ، حرم الأكل لأنه أكل ، وإنما امتنع لأنه لا يجوز أن يدل الشيء على نفسه وإنما يدل عليه بغيره ، فإذا تعذر هذا
nindex.php?page=treesubj&link=21792_21797فهل يجوز أن تكون العلة في تحريم هذا تحريم غيره ، كأن يقول : العلة في إيجاب الكفارة على الواطئ إيجابها على القاتل وتحريم القتل وما أشبهه أم لا ؟ على وجهين لأصحابنا : منهم من جوزه ، ومنهم من أباه . واحتج المجوزون بأن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي جعل العلة فيما يخرج في زكاة الفطر ما تجب فيه الزكاة ، وإذا كان هكذا دل على جوازه ، لأن هذا إنما حكم لأن القرآن ورد به في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } والظلم هو اسم حكم . واختار
ابن المنير أن الحكم لا يكون علة وإنما هو دليل على العلة من حيث الملازمة ، وذلك أن تكون علته تقتضي حكمين ، فإذا وجد أحدهما استدللنا بوجوده على وجودها ثم على وجود الحكم المعلوم ضرورة تلازم الثلاثة .
وقال
الآمدي في الأحكام : المختار أن الشرعي يكون علة شرعية بمعنى ( الأمارة ) لا في أصل القياس بل في غيره ، فيجوز أن يقول الشارع : إذا عرفتم أني حكمت بإيجاب كذا فاعلموا أني حكمت بكذا . وإنما امتنع في أصل القياس لأن العلة لا بد وأن تكون بمعنى ( الباعث ) ، فإن كان باعثا على حكم الأصل كتحصيل مصلحة يقتضيها حكم الأصل جاز ، وإن كان
[ ص: 211 ] لدفع مفسدة فلا ، وتابعه
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب . وهو تحكم ، لأن الحكم الشرعي إنما شرع لتحصيل مصلحة أو دفع مفسدة ، فلما يخصص بالمصلحة دون دفع المفسدة ؟
تنبيه
القائلون بالجواز اختلفوا في تعليل الحكم الحقيقي بالحكم الشرعي ، كقولنا في إثبات الحياة في الشعر بأنه يحرم بالطلاق ويحل بالنكاح فيكون حيا كاليد ، فمنهم من جوزه . قال
الهندي : وهو الحق ، لأن المراد من العلة المعرف ، ولا يبعد أن يكون الحكم الشرعي معرفا للحكم الحقيقي فأما إذا فسرناها بالموجب والداعي امتنع ، ومنهم من أطلق المنع ، فإن كان ذلك بناء على تفسير العلة بالموجب فصحيح لكن لا نرتضيه ، وإن كان ذلك مطلقا فباطل ، وكلام
العبدري يقتضي التفصيل بين الحكم المنصوص والمستنبط ، فإنه قال : يقال للمانع من التعليل بالحكم : إن أردت به الحكم الذي يستنبطه المجتهد فقولك صحيح ولسنا ننفيه ، وإن أردت الحكم الذي صدر عن الشارع فلا يمتنع أن يحكم الشرع بحكم ثم يجعل ذلك الحكم علة لحكم آخر ، وقد وقع في الشرع كثيرا بناء على تفسير العلة بالموجب .
وَ ( مِنْهَا ) أَنْ لَا يَكُونَ وَصْفُهَا حُكْمًا شَرْعِيًّا عِنْدَ قَوْمٍ لِأَنَّهُ مَعْلُولٌ فَكَيْفَ يَكُونُ عِلَّةً . وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=21792_21797تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ، كَقَوْلِنَا : حَرُمَ الِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ فَيَبْطُلُ بَيْعُهُ ، لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَدُورُ مَعَ الْحُكْمِ الْآخَرِ وُجُودًا وَعَدَمًا ، وَالدَّوَرَانُ يُفِيدُ ظَنَّ الْعِلِّيَّةِ ، وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُجْعَلَ حُكْمٌ مُعَرِّفًا لِحُكْمٍ آخَرَ بِأَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ : رَأَيْتُمُونِي أُثْبِتُ الْحُكْمَ الْفُلَانِيَّ فِي الصُّورَةِ الْفُلَانِيَّةِ ، فَاعْلَمُوا أَنِّي أُثْبِتُ الْحُكْمَ الْفُلَانِيَّ فِيهَا أَيْضًا . وَنَقَلَهُ
الْهِنْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ . وَقَالَ
السُّهَيْلِيُّ إنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْأُصُولِيِّينَ ، وَنَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبِي حَنِيفَةَ ( قَالَ ) وَقَدْ قَاسَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَقَبَةَ الظِّهَارِ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْقَتْلِ ، وَفِي أَنَّ الْإِيمَانَ شَرْطٌ فِيهِمَا ، بِأَنَّ
[ ص: 210 ] كُلَّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ بِالْعِتْقِ ، وَقَالَ فِي زَكَاةِ مَالِ الْيَتِيمِ : لِأَنَّهُ مَالِكٌ تَامُّ الْمِلْكِ ، وَقَالَ فِي الذِّمِّيِّ : يَصِحُّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ كَالْمُسْلِمِ ، وَقَاسَ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي النِّيَّةِ بِأَنَّهُمَا طُهْرَانِ عَنْ حَدَثٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ : كُلُّ فِطْرٍ مَعْصِيَةٌ فِيهَا الْكَفَّارَةُ كَالْفِطْرِ بِالْوَطْءِ ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : الْمَنِيُّ نَجِسٌ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْبَدَنِ كَالْبَوْلِ ( انْتَهَى ) .
وَقَالَ
ابْنُ الْقَطَّانِ حُكْمُ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً كَقَوْلِنَا : حَرُمَ الرِّبَا لِأَنَّهُ رِبًا ، حَرُمَ الْأَكْلُ لِأَنَّهُ أَكْلٌ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=21792_21797فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ هَذَا تَحْرِيمَ غَيْرِهِ ، كَأَنْ يَقُولَ : الْعِلَّةُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَاطِئِ إيجَابُهَا عَلَى الْقَاتِلِ وَتَحْرِيمُ الْقَتْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا : مِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ . وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِيمَا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ ، لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا حُكْمٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَرَدَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } وَالظُّلْمُ هُوَ اسْمُ حُكْمٍ . وَاخْتَارَ
ابْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ الْمُلَازَمَةُ ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ تَقْتَضِي حُكْمَيْنِ ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا اسْتَدْلَلْنَا بِوُجُودِهِ عَلَى وُجُودِهَا ثُمَّ عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ ضَرُورَةُ تَلَازُمِ الثَّلَاثَةِ .
وَقَالَ
الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ : الْمُخْتَارُ أَنَّ الشَّرْعِيَّ يَكُونُ عِلَّةً شَرْعِيَّةً بِمَعْنَى ( الْأَمَارَةِ ) لَا فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ بَلْ فِي غَيْرِهِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ : إذَا عَرَفْتُمْ أَنِّي حَكَمْت بِإِيجَابِ كَذَا فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا . وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى ( الْبَاعِثِ ) ، فَإِنْ كَانَ بَاعِثًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ كَتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ
[ ص: 211 ] لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ فَلَا ، وَتَابَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ . وَهُوَ تَحَكُّمٌ ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ ، فَلَمَّا يُخَصَّصُ بِالْمَصْلَحَةِ دُونَ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ ؟
تَنْبِيهٌ
الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْحَقِيقِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ، كَقَوْلِنَا فِي إثْبَاتِ الْحَيَاةِ فِي الشَّعْرِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِالطَّلَاقِ وَيَحِلُّ بِالنِّكَاحِ فَيَكُونُ حَيًّا كَالْيَدِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ . قَالَ
الْهِنْدِيُّ : وَهُوَ الْحَقُّ ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِلَّةِ الْمُعَرِّفُ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ الْحَقِيقِيِّ فَأَمَّا إذَا فَسَّرْنَاهَا بِالْمُوجِبِ وَالدَّاعِي امْتَنَعَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ بِالْمُوجِبِ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَا نَرْتَضِيهِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا فَبَاطِلٌ ، وَكَلَامُ
الْعَبْدَرِيِّ يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ وَالْمُسْتَنْبَطِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : يُقَالُ لِلْمَانِعِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ : إنْ أَرَدْت بِهِ الْحُكْمَ الَّذِي يَسْتَنْبِطُهُ الْمُجْتَهِدُ فَقَوْلُك صَحِيحٌ وَلَسْنَا نَنْفِيهِ ، وَإِنْ أَرَدْت الْحُكْمَ الَّذِي صَدَرَ عَنْ الشَّارِعِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْكُمَ الشَّرْعُ بِحُكْمٍ ثُمَّ يَجْعَلُ ذَلِكَ الْحُكْمَ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ كَثِيرًا بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ بِالْمُوجِبِ .