[ المسألة ] الرابعة [ أقسام التأكيد ]
nindex.php?page=treesubj&link=21048_21047_21046ينقسم إلى لفظي ومعنوي ، فاللفظي يجيء لخوف النسيان أو لعدم الإصغاء ، أو للاعتناء ، وهو تارة بإعادة اللفظ وتارة يقوى بمرادفه ، ويكون في المفردات والمركبات .
[ ص: 373 ]
وزعم
الرافعي في الطلاق أنه أعلى درجات التأكيد قال
إمام الحرمين : وينبغي فيه شيئان :
أحدهما : الاحتياط بإيصال الكلام إلى فهم السامع إن فرض ذهول أو غفلة .
والثاني : إيضاح القصد إلى الكلام والإشعار بأن لسانه لم يسبق إليه ، ويمثله النحويون بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ، وجاء ربك والملك صفا صفا } وجعلهم صفا صفا تأكيدا لفظيا مردود ، فإنه ليس بتأكيد قطعا بل هو تأسيس ، والمراد صفا بعد صف ، ودكا بعد دك ، وكذلك ألفاظه إذا كررت فكل منها بناء على حدته ، والعجب منهم كيف خفي عليهم .
والمعنوي ، وهو إما أن يختص بالمفرد كالنفس والعين وجمعاء وكتعاء ، أو بالاثنين ككلا وكلتا ، أو بالجمع ككل وأجمعين ، وجمع وكتع . وكل وما في معناه للتجزؤ ، والنفس والعين للمتشخص غير المتجزئ ، وإما أن يختص بالجمل ككأن وإن وما في معناهما ، وفائدته : تمكين المعنى في نفس السامع ورفع التجاوزات المتوهمة ، فإن التجوز يقع في اللغة كثيرا فيطلق الشيء على أسبابه ومقدماته ، فإنه يقال : ورد البرد إذا وردت أسبابه ، ويطلق اسم الكل على البعض نحو {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197الحج أشهر معلومات } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } قيد بالكمال ليخرج احتمال توهم بعض الحول الثاني ، والتوكيد يحقق أن اللفظ حقيقة ، فإن قيل : إذا كان رافعا لاحتمال التخصيص في نحو : قام القوم كلهم وللمجاز في نحو ، جاء زيد نفسه ، فهذه فائدة جديدة ، فكيف أطبقوا على أن المقصود منه التقوية ؟
قلت : إن الاحتمال المرفوع تارة يكون اللفظ مترددا فيه وفي غيره على
[ ص: 374 ] السواء وتارة يكون احتمالا مرجوحا ، ورفع الاحتمال الأول فائدة زائدة ، لأن تردد اللفظ بينه وبين غيره ليس فيه دلالة على أحدهما ، كما أن الأعم لا يدل على الأخص ، فدفع ذلك الاحتمال تأسيس . أما الاحتمال المرجوح فهو مرفوع بظاهر اللفظ ، لأن اللفظ ينصرف إلى الحقيقة عند الإطلاق والتأكيد يقوي ذلك الظاهر .
وهاهنا أمور :
أحدها : أثبت
ابن مالك قسما ثالثا ، وهو ما له شبه بالمعنوي وشبه باللفظي ، وإلحاقه به أولى ، كقولك : أنت بالخير حقيق قمين . ونوزع في هذا المثال ، ولا نزاع لإجماع النحويين على أن من التوكيد مررت بكم أنتم .
الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=21044هل أنه يوجب رفع احتمال المجاز أو يرجحه ؟ يخرج من كلام النحويين فيه قولان ، ففي " التسهيل " أنه رافع ، وكلام
ابن عصفور وغيره يخالفه وهو الحق ، وكلام
إمام الحرمين يقتضيه ، فإنه قال في " البرهان " : ومما زال فيه الناقلون عن
الأشعري ويقتضيه أن
nindex.php?page=treesubj&link=21137صيغة العموم مع القرائن تبقى مترددة ، وهذا - وإن صح يحمل على توابع العموم كالصيغ المؤكدة . ا هـ . .
فقد صرح بأن التأكيد لا يرفع احتمال الخصوص ، ويؤيده ما في الحديث ( فأحرموا كلهم إلا
nindex.php?page=showalam&ids=60أبو قتادة لم يحرم ) فدخله التخصيص مع تأكيده ، وكذا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=30فسجد الملائكة كلهم أجمعون } إن كان الاستثناء متصلا ، وهل يجري ذلك في التوكيد اللفظي ؟ ظاهر كلام " الإيضاح البياني " نعم والذي صرح به النحاة أنه
[ ص: 375 ] لا يقتضي ذلك ، وأن القائل إذا قال : قام زيد زيد ، فإنما يفيد تقرير الكلام في ذهن السامع ، لا رفع التجوز .
وحكى
الرماني في " شرح أصول
ابن السراج " ، الأمرين فقال في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها } : مخرجه مخرج التمكين ، وقد يكون لرفع المجاز ، إذ لا يمنع أن يقال : هم في الجنة خالدين في غيرها ، فأزيل هذا بالتأكيد ، ودل على أنهم في الجنة التي يدخلونها مخلدون فيها ، ولا ينقلون عنها إلى جنة أخرى
الثالث : أن التوكيد اللفظي أكثر ما يقع مرتين كقوله : ألا حبذا حبذا حبذا ، وأما المعنوي فذكروا أن تلك الألفاظ كلها تجتمع ، والفرق أن هذا أثقل لاتحاد اللفظ .
وقال
الشيخ عز الدين بن عبد السلام : اتفق الأدباء على أن التأكيد إذا وقع بالتكرار لا يزيد على ثلاث مرات يعني بالأصل ، وإلا ففي الحقيقة التأكيد بمرتين ، وأما قوله تعالى في المرسلات : {
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=15ويل يومئذ للمكذبين } أي بهذا ، فلا يجتمعان على معنى واحد ، فلا تأكيد ، وكذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13فبأي آلاء ربكما تكذبان } ونحوه ، وكذلك قال
السبكي في " شرح الكافية " ، لم تتجاوز
العرب في تأكيد الأفعال ثلاثا كما فعلوا في تأكيد الأسماء . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } فلم يزد على ثلاثة : مهل وأمهل ورويد ، وكلها لمعنى واحد . قال : ومما يدل على صحة هذا أن
العرب لا تكاد يكررون الفعل مع تأكيده بالنون خفيفة ولا شديدة ، لأن تكريره مع الخفيفة مرتين كالتلفظ به أربع مرات ، ومع الشديدة كالتلفظ به ست مرات . ا هـ . لكن فيما قاله نظر لما سبق في الإتباع أنه سمع خمسة مع أنه تأكيد في المعنى ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تفسير سورة الرحمن : كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكرر عليهم ما كان يعظ به ، وينصح ثلاث مرات
[ ص: 376 ] وسبعا ، ليركزه في قلوبهم ويغرزه في صدورهم ، وفي الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62371ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت . } ثم لا يشك أن الثلاثة في عادته صلى الله عليه وسلم كالمرة في حق غيره ، فعلم أنه كان قد زاد على الثلاث ، ثم مراد الشيخ التأكيد اللفظي ، أما المعنوي فنص النحويون على أن ألفاظه الصناعية كلها تجمع ، وفرقوا بما سبق .
الرابع : أن
nindex.php?page=treesubj&link=21040التأكيد نظير الاستثناء وحينئذ فيأتي فيه شروطه السابقة من اعتبار النية فيه ومحلها واتصاله بالمؤكد ، لكن جوز النحويون الفصل بينهما ، كقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51ويرضين بما آتيتهن كلهن } .
الخامس : إن
nindex.php?page=treesubj&link=21040_21044كون التوكيد يرفع التجوز إنما هو بالنسبة إلى الفاعل ، فإذا قلت : جاء زيد احتمل مجيئه بنفسه ومجيء جيشه ، فإذا قلت : نفسه ، انتفى الثاني . أما التأكيد بالمصدر نحو ضربت ضربا ، فنص
ثعلب في أماليه "
وابن عصفور في " شرح الجمل الصغير "
والأبذوي في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وكلم الله موسى تكليما } أنه يدل على رفع المجاز ، وأنه كلمه بنفسه ، وهكذا احتج بها أصحابنا
المتكلمون المعتزلة في إثبات كلام الله ، وهو غلط ، لأن التأكيد بالمصدر إنما يرفع التجوز عن الفعل نفسه لا عن الفاعل فإذا قلت : قام زيد قياما ، فالأصل قام زيد قام زيد ، فإن أردت تأكيد الفاعل أتيت بالنفس ، وهاهنا إنما أكد الفعل ، ولو قصد تأكيد الفاعل لقال : وكلم الله نفسه
موسى ، فلا حجة فيه إذن عليهم .
السادس : في
nindex.php?page=treesubj&link=21042الفرق بين الترادف والتأكيد : أن المؤكد يقوي المؤكد ، وهو اللفظ الأول كقولنا : جاء زيد نفسه ، بخلاف الترادف ، فإن كل واحد منهما يدل على المعنى بمجرده ، والتأكيد تقوية مدلول ما ذكر بلفظ آخر مستقل ليخرج التابع والفرق بينه وبين التابع قد سبق .
[ الْمَسْأَلَةُ ] الرَّابِعَةُ [ أَقْسَامُ التَّأْكِيدِ ]
nindex.php?page=treesubj&link=21048_21047_21046يَنْقَسِمُ إلَى لَفْظِيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ ، فَاللَّفْظِيُّ يَجِيءُ لِخَوْفِ النِّسْيَانِ أَوْ لِعَدَمِ الْإِصْغَاءِ ، أَوْ لِلِاعْتِنَاءِ ، وَهُوَ تَارَةً بِإِعَادَةِ اللَّفْظِ وَتَارَةً يَقْوَى بِمُرَادِفِهِ ، وَيَكُونُ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ .
[ ص: 373 ]
وَزَعَمَ
الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّأْكِيدِ قَالَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : وَيَنْبَغِي فِيهِ شَيْئَانِ :
أَحَدُهُمَا : الِاحْتِيَاطُ بِإِيصَالِ الْكَلَامِ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ إنْ فُرِضَ ذُهُولٌ أَوْ غَفْلَةٌ .
وَالثَّانِي : إيضَاحُ الْقَصْدِ إلَى الْكَلَامِ وَالْإِشْعَارِ بِأَنَّ لِسَانَهُ لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ ، وَيُمَثِّلُهُ النَّحْوِيُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=21كَلًّا إذَا دُكَّتْ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ، وَجَاءَ رَبُّك وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } وَجَعْلُهُمْ صَفًّا صَفًّا تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا مَرْدُودٌ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَأْكِيدٍ قَطْعًا بَلْ هُوَ تَأْسِيسٌ ، وَالْمُرَادُ صَفًّا بَعْدَ صَفٍّ ، وَدَكًّا بَعْدَ دَكٍّ ، وَكَذَلِكَ أَلْفَاظُهُ إذَا كُرِّرَتْ فَكُلٌّ مِنْهَا بِنَاءٌ عَلَى حِدَتِهِ ، وَالْعَجَبُ مِنْهُمْ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِمْ .
وَالْمَعْنَوِيُّ ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمُفْرَدِ كَالنَّفْسِ وَالْعَيْنِ وَجَمْعَاءَ وَكَتْعَاءَ ، أَوْ بِالِاثْنَيْنِ كَكِلَا وَكِلْتَا ، أَوْ بِالْجَمْعِ كَكُلِّ وَأَجْمَعِينَ ، وَجَمْعٍ وَكَتْعٍ . وَكُلُّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِلتَّجَزُّؤِ ، وَالنَّفْسُ وَالْعَيْنُ لِلْمُتَشَخِّصِ غَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ ، وَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْجُمَلِ كَكَأَنَّ وَإِنَّ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا ، وَفَائِدَتُهُ : تَمْكِينُ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَرَفْعُ التَّجَاوُزَاتِ الْمُتَوَهَّمَةِ ، فَإِنَّ التَّجَوُّزَ يَقَعُ فِي اللُّغَةِ كَثِيرًا فَيُطْلَقُ الشَّيْءُ عَلَى أَسْبَابِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : وَرَدَ الْبَرْدُ إذَا وَرَدَتْ أَسْبَابُهُ ، وَيُطْلَقُ اسْمُ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ نَحْوُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } قَيَّدَ بِالْكَمَالِ لِيَخْرُجَ احْتِمَالُ تَوَهُّمِ بَعْضِ الْحَوْلِ الثَّانِي ، وَالتَّوْكِيدُ يُحَقِّقُ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ ، فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ رَافِعًا لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ فِي نَحْوِ : قَامَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَلِلْمَجَازِ فِي نَحْوِ ، جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ ، فَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ ، فَكَيْفَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّقْوِيَةُ ؟
قُلْت : إنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَرْفُوعَ تَارَةً يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَرَدَّدًا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى
[ ص: 374 ] السَّوَاءِ وَتَارَةً يَكُونُ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا ، وَرَفْعُ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ ، لِأَنَّ تَرَدُّدَ اللَّفْظِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا ، كَمَا أَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ ، فَدَفْعُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ تَأْسِيسٌ . أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْمَرْجُوحُ فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ ، لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّأْكِيدُ يُقَوِّي ذَلِكَ الظَّاهِرَ .
وَهَاهُنَا أُمُورٌ :
أَحَدُهَا : أَثْبَتَ
ابْنُ مَالِكٍ قِسْمًا ثَالِثًا ، وَهُوَ مَا لَهُ شَبَهٌ بِالْمَعْنَوِيِّ وَشَبَهٌ بِاللَّفْظِيِّ ، وَإِلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى ، كَقَوْلِكَ : أَنْتَ بِالْخَيْرِ حَقِيقٌ قَمِينٌ . وَنُوزِعَ فِي هَذَا الْمِثَالِ ، وَلَا نِزَاعَ لِإِجْمَاعِ النَّحْوِيِّينَ عَلَى أَنَّ مِنْ التَّوْكِيدِ مَرَرْت بِكُمْ أَنْتُمْ .
الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=21044هَلْ أَنَّهُ يُوجِبُ رَفْعَ احْتِمَالِ الْمَجَازِ أَوْ يُرَجِّحُهُ ؟ يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ النَّحْوِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ ، فَفِي " التَّسْهِيلِ " أَنَّهُ رَافِعٌ ، وَكَلَامُ
ابْنِ عُصْفُورٍ وَغَيْرِهِ يُخَالِفُهُ وَهُوَ الْحَقُّ ، وَكَلَامُ
إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَقْتَضِيهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي " الْبُرْهَانِ " : وَمِمَّا زَالَ فِيهِ النَّاقِلُونَ عَنْ
الْأَشْعَرِيِّ وَيَقْتَضِيهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21137صِيغَةَ الْعُمُومِ مَعَ الْقَرَائِنِ تَبْقَى مُتَرَدِّدَةً ، وَهَذَا - وَإِنْ صَحَّ يُحْمَلُ عَلَى تَوَابِعِ الْعُمُومِ كَالصِّيَغِ الْمُؤَكِّدَةِ . ا هـ . .
فَقَدْ صُرِّحَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لَا يَرْفَعُ احْتِمَالَ الْخُصُوصِ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ ( فَأَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=60أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ ) فَدَخَلَهُ التَّخْصِيصُ مَعَ تَأْكِيدِهِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=30فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } إنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا ، وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ " الْإِيضَاحِ الْبَيَانِيِّ " نَعَمْ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ النُّحَاةُ أَنَّهُ
[ ص: 375 ] لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَأَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ : قَامَ زَيْدٌ زَيْدٌ ، فَإِنَّمَا يُفِيدُ تَقْرِيرَ الْكَلَامِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ ، لَا رَفْعَ التَّجَوُّزِ .
وَحَكَى
الرُّمَّانِيُّ فِي " شَرْحِ أُصُولِ
ابْنِ السَّرَّاجِ " ، الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا } : مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ التَّمْكِينِ ، وَقَدْ يَكُونُ لِرَفْعِ الْمَجَازِ ، إذْ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ : هُمْ فِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِي غَيْرِهَا ، فَأُزِيلَ هَذَا بِالتَّأْكِيدِ ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي يَدْخُلُونَهَا مُخَلَّدُونَ فِيهَا ، وَلَا يُنْقَلُونَ عَنْهَا إلَى جَنَّةٍ أُخْرَى
الثَّالِثُ : أَنَّ التَّوْكِيدَ اللَّفْظِيَّ أَكْثَرُ مَا يَقَعُ مَرَّتَيْنِ كَقَوْلِهِ : أَلَا حَبَّذَا حَبَّذَا حَبَّذَا ، وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَذَكَرُوا أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا تَجْتَمِعُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا أَثْقَلُ لِاتِّحَادِ اللَّفْظِ .
وَقَالَ
الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : اتَّفَقَ الْأُدَبَاءُ عَلَى أَنَّ التَّأْكِيدَ إذَا وَقَعَ بِالتَّكْرَارِ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ يَعْنِي بِالْأَصْلِ ، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ التَّأْكِيدُ بِمَرَّتَيْنِ ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فِي الْمُرْسَلَاتِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=15وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } أَيْ بِهَذَا ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ ، فَلَا تَأْكِيدَ ، وَكَذَلِكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } وَنَحْوُهُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ
السُّبْكِيُّ فِي " شَرْحِ الْكَافِيَةِ " ، لَمْ تَتَجَاوَزْ
الْعَرَبُ فِي تَأْكِيدِ الْأَفْعَالِ ثَلَاثًا كَمَا فَعَلُوا فِي تَأْكِيدِ الْأَسْمَاءِ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=17فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } فَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثَةٍ : مَهِّلْ وَأَمْهِلْ وَرُوَيْدٍ ، وَكُلُّهَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ . قَالَ : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ
الْعَرَبَ لَا تَكَادُ يُكَرِّرُونَ الْفِعْلَ مَعَ تَأْكِيدِهِ بِالنُّونِ خَفِيفَةً وَلَا شَدِيدَةً ، لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ مَعَ الْخَفِيفَةِ مَرَّتَيْنِ كَالتَّلَفُّظِ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وَمَعَ الشَّدِيدَةِ كَالتَّلَفُّظِ بِهِ سِتَّ مَرَّاتٍ . ا هـ . لَكِنْ فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْإِتْبَاعِ أَنَّهُ سَمِعَ خَمْسَةً مَعَ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ فِي الْمَعْنَى ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ : كَانَتْ عَادَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ يَعِظُ بِهِ ، وَيَنْصَحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
[ ص: 376 ] وَسَبْعًا ، لِيُرَكِّزَهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَيَغْرِزَهُ فِي صُدُورِهِمْ ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62371أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ . } ثُمَّ لَا يَشُكُّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فِي عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمَرَّةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ ، ثُمَّ مُرَادُ الشَّيْخِ التَّأْكِيدُ اللَّفْظِيُّ ، أَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَنَصَّ النَّحْوِيُّونَ عَلَى أَنَّ أَلْفَاظَهُ الصِّنَاعِيَّةَ كُلَّهَا تُجْمَعُ ، وَفَرَّقُوا بِمَا سَبَقَ .
الرَّابِعُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21040التَّأْكِيدَ نَظِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ وَحِينَئِذٍ فَيَأْتِي فِيهِ شُرُوطُهُ السَّابِقَةُ مِنْ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِيهِ وَمَحِلِّهَا وَاتِّصَالِهِ بِالْمُؤَكَّدِ ، لَكِنْ جَوَّزَ النَّحْوِيُّونَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=51وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } .
الْخَامِسُ : إنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21040_21044كَوْنَ التَّوْكِيدِ يَرْفَعُ التَّجَوُّزَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَاعِلِ ، فَإِذَا قُلْت : جَاءَ زَيْدٌ اُحْتُمِلَ مَجِيئُهُ بِنَفْسِهِ وَمَجِيءُ جَيْشِهِ ، فَإِذَا قُلْت : نَفْسُهُ ، انْتَفَى الثَّانِي . أَمَّا التَّأْكِيدُ بِالْمَصْدَرِ نَحْوَ ضَرَبْت ضَرْبًا ، فَنَصَّ
ثَعْلَبٌ فِي أَمَالِيهِ "
وَابْنُ عُصْفُورٍ فِي " شَرْحِ الْجُمَلِ الصَّغِيرِ "
وَالْأَبْذَوِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْمَجَازِ ، وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ بِنَفْسِهِ ، وَهَكَذَا احْتَجَّ بِهَا أَصْحَابُنَا
الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُعْتَزِلَةُ فِي إثْبَاتِ كَلَامِ اللَّهِ ، وَهُوَ غَلَطٌ ، لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بِالْمَصْدَرِ إنَّمَا يَرْفَعُ التَّجَوُّزَ عَنْ الْفِعْلِ نَفْسِهِ لَا عَنْ الْفَاعِلِ فَإِذَا قُلْت : قَامَ زَيْدٌ قِيَامًا ، فَالْأَصْلُ قَامَ زَيْدٌ قَامَ زَيْدٌ ، فَإِنْ أَرَدْت تَأْكِيدَ الْفَاعِلِ أَتَيْت بِالنَّفْسِ ، وَهَاهُنَا إنَّمَا أَكَّدَ الْفِعْلَ ، وَلَوْ قَصَدَ تَأْكِيدَ الْفَاعِلِ لَقَالَ : وَكَلَّمَ اللَّهُ نَفْسُهُ
مُوسَى ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ إذَنْ عَلَيْهِمْ .
السَّادِسُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21042الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرَادُفِ وَالتَّأْكِيدِ : أَنَّ الْمُؤَكِّدَ يُقَوِّي الْمُؤَكَّدَ ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِنَا : جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ ، بِخِلَافِ التَّرَادُفِ ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى بِمُجَرَّدِهِ ، وَالتَّأْكِيدُ تَقْوِيَةُ مَدْلُولِ مَا ذُكِرَ بِلَفْظٍ آخَرَ مُسْتَقِلٍّ لِيَخْرُجَ التَّابِعُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّابِعِ قَدْ سَبَقَ .