[ ص: 81 ] فصل في تقسيم صيغ العموم
الذي يفيد العموم إما أن يفيده من جهة اللغة أو العرف أو العقل . [ القسم الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=21135صيغ العموم التي تفيد العموم لغة ]
والأولى : على ضربين ، لأنه إما أن يفيده بنفسه لكونه موضوعا له أو بواسطة اقتران قرينة به .
والأول : أعني الذي يدل بنفسه نوعان : لأنه إما أن يكون شاملا لجمع المفهومات كلفظ " كل ، وجميع ، وأي " في حال الاستفهام والشرط ; وإما أن لا يكون شاملا للكل ، فإما أن يخصص بأولي العلم كلفظ " من " شرطا أو استفهاما ، فإنها تختص بالعقلاء ، وقد تستعمل في غيرهم للتغلب أو غيره ; وإما أن يختص بغير العالمين ، فإما أن يعمهم أو يختص ببعضهم ; والأول " ما " الاسمية ، فإنها تفيد العموم إذا كانت معرفة ، نحو هات ما رأيت ، فتفيد العموم فيما عدا العالمين من الزمان والمكان والجماد والإنسان ، وقيل : إنها تتناول العالمين أيضا ، كما في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5والسماء وما بناها } {
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3ولا أنتم عابدون ما أعبد } ونحوه . والثاني : أن يختص عموم بعضهم ، فإما أن يختص بالأمكنة . نحو : أين تجلس أجلس ، ومنه " حيث " ، أو بالأزمنة نحو : متى تقم أقم .
الثاني : ما يفيد العموم لغة لا بالوضع ، بل بواسطة قرينة ، فهو إما في جانب الثبوت ك " لام " التعريف التي ليست للعهد ، ولام التعريف
[ ص: 82 ] إنما تفيد الجنس إذا دخلت على الجموع أو على اسم الجنس المفرد ، والجمع المضاف لهذين ، نحو عبيدي أحرار وعبدي حر ، وإما في جانب العدم ، وهي النكرة في سياق النفي . القسم الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=21135الذي يفيد العموم عرفا
كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حرمت عليكم أمهاتكم } فإنه يفيد في العرف تحريم وجوه الاستمتاعات التي تفعل بالزوجة والأمة ، وليس ذلك مأخوذا من مجرد اللغة . القسم الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=21135الذي يفيده بطريق العقل وهو على ثلاثة أضرب : أحدها : أن يكون اللفظ مفيدا للحكم ولعلته . إما بصراحته وإما بوجه من وجوه الإيماءات ، فيقتضي ثبوت الحكم أينما ثبت العلة .
وثانيهما : ما يذكر جوابا عن سؤال السائل ، كما إذا سئل عمن أفطر ، فقيل : من أفطر فعليه الكفارة ، فيعلم منه أن كل مفطر عليه مثلها .
ثالثها : مفهوم المخالفة عند القائلين به ، كقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35163مطل الغني ظلم } ، فإنه يدل بمفهوم على أن مطل غير الغني ليس بظلم . وهذا التقسيم ذكره
الإمام فخر الدين الرازي وأتباعه ، ولا يخلو
[ ص: 83 ] بعضه عن نزاع وليس شاملا لجميع الصيغ كما سيأتي سردها إن شاء الله تعالى . واعترض عليه
القرافي بأن " من وما " لا يفيدان أيضا العموم إلا باستضافة شيء آخر إليهما ، إما الصلة إن كانتا موصولين ، أو المستفهم عنهما إن كانت استفهاميتين ، أو الشرط والجزاء إن كانا للشرط ، ولو نطق واحد " بمن ، وما " وحدها ، لم يفد كلامه شيئا ، وكذلك " كل ، وجميع " فلا بد من إضافة لفظ إليهما حتى يحصل العموم . وهو اعتراض عجيب ، لأنه لا يتوقف إفادة العموم عليهما ، إنما يتوقف مطلق الإفادة في الجملة ، وهذا لا يختص بصيغ العموم بل بجميع التراكيب .
وذكر
النقشواني في ملخصه " أن المفيد للعموم لا يخرج عن ثلاثة أقسام : إما أن يكون بصيغة " كجميع ، وكل ، ومتى ، وما " وإما بزيادة متصلة به كالمعرف ب " لام " الجنس من الجموع وأسماء الأجناس ، أو بزيادة منفصلة يعني عن الكلمة أو ب " لا " النافية وغيرها من أدوات النفي .
وقال بعضهم : هو قسمان : لأنه إما أن يفيد العموم بصيغته ومعناه بأن يكون اللفظ مجموعا والمعنى مستوعبا ، سواء كان له مفرد من لفظه أو لا كالنساء ، وإما عام بمعناه فقط ، بأن يكون اللفظ مفردا مستوعبا لكل ما يتناوله ، ولا يتصور عام بصيغة فقط ، إذ لا بد من تعدد المعنى ، وهذا العام معناه : إما أن يتناول مجموع الأفراد " كالقول والرهط " ، وإما أن يتناول كل واحد نحو " من ، وما " .
[ ص: 81 ] فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ صِيَغِ الْعُمُومِ
الَّذِي يُفِيدُ الْعُمُومَ إمَّا أَنْ يُفِيدَهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ أَوْ الْعَقْلِ . [ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21135صِيَغُ الْعُمُومِ الَّتِي تُفِيدُ الْعُمُومَ لُغَةً ]
وَالْأُولَى : عَلَى ضَرْبَيْنِ ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَهُ بِنَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لَهُ أَوْ بِوَاسِطَةِ اقْتِرَانِ قَرِينَةٍ بِهِ .
وَالْأَوَّلُ : أَعْنِي الَّذِي يَدُلُّ بِنَفْسِهِ نَوْعَانِ : لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِجَمْعِ الْمَفْهُومَاتِ كَلَفْظِ " كُلِّ ، وَجَمِيعِ ، وَأَيِّ " فِي حَالِ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ ; وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ شَامِلًا لِلْكُلِّ ، فَإِمَّا أَنْ يُخَصَّصَ بِأُولِي الْعِلْمِ كَلَفْظِ " مَنْ " شَرْطًا أَوْ اسْتِفْهَامًا ، فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْعُقَلَاءِ ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِمْ لِلتَّغَلُّبِ أَوْ غَيْرِهِ ; وَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِغَيْرِ الْعَالَمِينَ ، فَإِمَّا أَنْ يَعُمَّهُمْ أَوْ يَخْتَصَّ بِبَعْضِهِمْ ; وَالْأَوَّلُ " مَا " الِاسْمِيَّةُ ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إذَا كَانَتْ مَعْرِفَةً ، نَحْوُ هَاتِ مَا رَأَيْت ، فَتُفِيدُ الْعُمُومَ فِيمَا عَدَا الْعَالَمِينَ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْجَمَادِ وَالْإِنْسَانِ ، وَقِيلَ : إنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْعَالَمِينَ أَيْضًا ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=3وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } وَنَحْوِهِ . وَالثَّانِي : أَنْ يَخْتَصَّ عُمُومُ بَعْضِهِمْ ، فَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْأَمْكِنَةِ . نَحْوُ : أَيْنَ تَجْلِسْ أَجْلِسْ ، وَمِنْهُ " حَيْثُ " ، أَوْ بِالْأَزْمِنَةِ نَحْو : مَتَى تَقُمْ أَقُمْ .
الثَّانِي : مَا يُفِيدُ الْعُمُومَ لُغَةً لَا بِالْوَضْعِ ، بَلْ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ ، فَهُوَ إمَّا فِي جَانِبِ الثُّبُوتِ كَ " لَامِ " التَّعْرِيفِ الَّتِي لَيْسَتْ لِلْعَهْدِ ، وَلَامُ التَّعْرِيفِ
[ ص: 82 ] إنَّمَا تُفِيدُ الْجِنْسَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجُمُوعِ أَوْ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ الْمُفْرَدِ ، وَالْجَمْعِ الْمُضَافِ لِهَذَيْنِ ، نَحْوُ عَبِيدِي أَحْرَارٌ وَعَبْدِي حُرٌّ ، وَإِمَّا فِي جَانِبِ الْعَدَمِ ، وَهِيَ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ . الْقِسْمُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=21135الَّذِي يُفِيدُ الْعُمُومَ عُرْفًا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } فَإِنَّهُ يُفِيدُ فِي الْعُرْفِ تَحْرِيمَ وُجُوهِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ مُجَرَّدِ اللُّغَةِ . الْقِسْمُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=21135الَّذِي يُفِيدُهُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : أَحَدِهَا : أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ وَلِعِلَّتِهِ . إمَّا بِصَرَاحَتِهِ وَإِمَّا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْإِيمَاءَاتِ ، فَيَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ أَيْنَمَا ثَبَتَ الْعِلَّةُ .
وَثَانِيهِمَا : مَا يُذْكَرُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ ، كَمَا إذَا سُئِلَ عَمَّنْ أَفْطَرَ ، فَقِيلَ : مَنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ، فَيَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مُفْطِرٍ عَلَيْهِ مِثْلُهَا .
ثَالِثِهَا : مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35163مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومٍ عَلَى أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمٍ . وَهَذَا التَّقْسِيمُ ذَكَرَهُ
الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ ، وَلَا يَخْلُو
[ ص: 83 ] بَعْضُهُ عَنْ نِزَاعٍ وَلَيْسَ شَامِلًا لِجَمِيعِ الصِّيَغِ كَمَا سَيَأْتِي سَرْدُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ
الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ " مَنْ وَمَا " لَا يُفِيدَانِ أَيْضًا الْعُمُومَ إلَّا بِاسْتِضَافَةِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِمَا ، إمَّا الصِّلَةِ إنْ كَانَتَا مَوْصُولَيْنِ ، أَوْ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُمَا إنْ كَانَتْ اسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ ، أَوْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ إنْ كَانَا لِلشَّرْطِ ، وَلَوْ نَطَقَ وَاحِدٌ " بِمَنْ ، وَمَا " وَحْدَهَا ، لَمْ يُفِدْ كَلَامُهُ شَيْئًا ، وَكَذَلِكَ " كُلُّ ، وَجَمِيعُ " فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ لَفْظٍ إلَيْهِمَا حَتَّى يَحْصُلَ الْعُمُومُ . وَهُوَ اعْتِرَاضٌ عَجِيبٌ ، لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ إفَادَةُ الْعُمُومِ عَلَيْهِمَا ، إنَّمَا يَتَوَقَّفُ مُطْلَقُ الْإِفَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِصِيَغِ الْعُمُومِ بَلْ بِجَمِيعِ التَّرَاكِيبِ .
وَذَكَرَ
النَّقْشَوَانِيُّ فِي مُلَخَّصِهِ " أَنَّ الْمُفِيدَ لِلْعُمُومِ لَا يَخْرُجُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : إمَّا أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةٍ " كَجَمِيعِ ، وَكُلِّ ، وَمَتَى ، وَمَا " وَإِمَّا بِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِهِ كَالْمُعَرَّفِ بِ " لَامِ " الْجِنْسِ مِنْ الْجُمُوعِ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ ، أَوْ بِزِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ يَعْنِي عَنْ الْكَلِمَةِ أَوْ بِ " لَا " النَّافِيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِ النَّفْيِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ قِسْمَانِ : لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَ الْعُمُومَ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَجْمُوعًا وَالْمَعْنَى مُسْتَوْعَبًا ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مُفْرَدٌ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ لَا كَالنِّسَاءِ ، وَإِمَّا عَامٌّ بِمَعْنَاهُ فَقَطْ ، بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفْرَدًا مُسْتَوْعَبًا لِكُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ عَامٌّ بِصِيغَةٍ فَقَطْ ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ الْمَعْنَى ، وَهَذَا الْعَامُّ مَعْنَاهُ : إمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ مَجْمُوعَ الْأَفْرَادِ " كَالْقَوْلِ وَالرَّهْطِ " ، وَإِمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلَّ وَاحِدٍ نَحْوُ " مَنْ ، وَمَا " .