الثاني : تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعم النصفة ، فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم .
الثالث : حماية البيضة والذب عن الحريم ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال .
والرابع : إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك .
والخامس : تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرما أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما .
والسادس : جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على الدين كله .
والسابع : جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير خوف ولا عسف .
والثامن : تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير .
التاسع : استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال ، لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة والأموال بالأمناء محفوظة .
العاشر : أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال ; لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة ، ولا ، فقد يخون الأمين ويغش الناصح ، وقد قال الله تعالى : { يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله } .
[ ص: 19 ] فلم يقتصر الله سبحانه على التفويض دون المباشرة ولا عذره في الاتباع حتى وصفه بالضلال ، وهذا وإن كان مستحقا عليه بحكم الدين ومنصب الخلافة فهو من حقوق السياسة لكل مسترع قال النبي عليه الصلاة والسلام : { } . كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
ولقد أصاب الشاعر فيما وصف به الزعيم المدبر حيث يقول ( من البسيط ) :
وقلدوا أمركم لله دركم رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا لا مترفا إن رخاء العيش ساعده
ولا إذا عض مكروه به خشعا ما زال يحلب در الدهر أشطره
يكون متبعا يوما ومتبعا حتى استمر على شزر مريرته
مستحكم الرأي لا فخما ولا ضرعا
وقال محمد بن يزداد - وكان وزيره - من البسيط : للمأمون
من كان حارس دنيا إنه قمن أن لا ينام وكل الناس نوام
وكيف ترقد عينا من تضيفه همان من أمره حل وإبرام
( فصل ) وإذا فقد أدى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم ، ووجب له عليهم حقان الطاعة والنصرة ما لم يتغير حاله . قام الإمام بما ذكرناه من حقوق الأمة