وأما فلا يلزم أخذه لالتباسه وجواز اختلاطه ولذلك نقصت قيمتها عن المضروب الصحيح واختلف الفقهاء في كراهية كسرها ، فذهب مكسور الدراهم والدنانير وأكثر فقهاء مالك المدينة إلى أنه مكروه لأنه من جملة الفساد في الأرض وينكر على فاعله وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كسر المسلمين سكة الجارية بينهم .
والسكة هي الحديدة التي يطبع عليها الدراهم ولذلك سميت الدراهم المضروبة سكة وقد كان ينكر ذلك ولاة بني أمية حتى أسرفوا فيه ، فحكي أن أخذ رجلا قطع درهما من دراهم فارس فقطع يده وهذا عدوان محض وليس له في التأويل مساغ . مروان بن الحكم
وحكى أن الواقدي كان على أبان بن عثمان المدينة فعاقب من قطع الدراهم وضربه ثلاثين سوطا وطاف به قال وهذا عندنا فيمن قطعها ودس فيها المفرغة والزيوف ، فإن كان الأمر على ما قاله الواقدي فما فعله الواقدي ليس بعدوان لأنه ما خرج به عن حد التعزير والتعزير على التدليس مستحق وأما فعل أبان بن عثمان فظلم وعدوان وذهب مروان وفقهاء أبو حنيفة العراق إلى أن كسرها غير مكروه [ ص: 198 ]
وقد حكى صالح بن حفص عن في قول الله تعالى : { أبي بن كعب أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } قال كسر الدراهم .
ومذهب رحمه الله أنه قال : إن كسرها لحاجة لم يكره له وإن كسرها لغير حاجة كره له لأن إدخال النقص على المال من غير حاجة سفه ، وقال الشافعي : إن كان عليها اسم الله عز وجل كره كسرها ، وإن لم يكن عليها اسمه لم يكره وأما الخبر المروي في النهي عن كسر السكة فكان أحمد بن حنبل قاضي محمد بن عبد الله الأنصاري البصرة يحمله على النهي عن كسرها لتعاد تبرا فتكون على حالها مرصدة للنفقة ، وحمله آخرون على النهي عن كسرها ليتخذ منها أواني وزخرف وحمله آخرون على النهي عن أخذ أطرافها قرضا بالمقاريض لأنهم كانوا في صدر الإسلام يتعاملون بها عددا فصار أخذ أطرافها بخسا وتطفيفا