( فصل ) وأما فلا نظر للسلطان فيه إلا ما يتعلق بتلك الأرض من حقوق بيت المال إذا كانت في دار الإسلام سواء كانت لمسلم أو ذمي ، فإن كانت في دار الحرب التي لا يثبت للمسلمين عليها يد فأراد الإمام أن يقطعها ليملكها المقطع عند الظفر بها جاز . العامر فضربان : [ ص: 241 ] أحدهما ما تعين مالكه
{ وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطعه عيون البلد الذي كان منه تميم الداري بالشام قبل فتحه ففعل . وسأله أن يقطعه أرضا كانت بيد أبو ثعلبة الخشني الروم فأعجبه ذلك ، وقال : ألا تسمعون ما يقول ؟ فقال : والذي بعثك بالحق ليفتحن عليك . فكتب له بذلك كتابا } .
وهكذا لو جاز وصحت العطية فيه مع الجهالة بها لتعلقها بالأمور العامة . روى استوهب من الإمام مال في دار الحرب وهو على ملك أهلها أو استوهب أحد من سبيها وذراريها ليكون أحق به إذا فتحها الشعبي : { أن حريم بن أوس بن حارثة الطائي . قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن فتح الله عليك الحيرة فأعطني بنت نفيلة } .
فلما أراد صلح أهل خالد الحيرة قال له حريم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لي بنت نفيلة فلا تدخلها في صلحك وشهد له بشير بن سعد محمد بن مسلمة فاستثناها من الصلح ودفعها إلى حريم فاشتريت منه بألف درهم وكانت عجوزا قد حالت عن عهده فقيل له ويحك لقد أرخصتها كان أهلها يدفعون إليك ضعف ما سألت بها فقال : ما كنت أظن أن عددا يكون أكثر من ألف .
وإذا صح الإقطاع والتمليك على هذا الوجه نظر حال الفتح ، فإن كان صلحا خلصت الأرض لمقطعها ، وكانت خارجة عن حكم الصلح بالإقطاع السابق ، وإن كان الفتح عنوة كان المستقطع والمستوهب أحق بما استقطعه واستوهبه من الغانمين ونظر في الغانمين ، فإن علموا بالإقطاع والهبة قبل الفتح فليس [ ص: 242 ] لهم المطالبة بعوض ما استقطع ووهب ; وإن لم يعلموا حتى فتحوا عاوضهم الإمام عنه بما يستطيب به نفوسهم كما يستطيب نفوسهم عن غير ذلك من الغنائم . وقال : لا يلزمه استطابة نفوسهم عنه ولا عن غيره من الغنائم إذا رأى المصلحة في أخذها منهم . أبو حنيفة
ولم يتميز مستحقوه ، وهو على ثلاثة أقسام : أحدها ما والضرب الثاني من العامر ما لم يتعين مالكوه ، إما بحق الخمس فيأخذه باستحقاق أهله له ، وإما بأن يصطفيه باستطابة نفوس الغانمين عنه فقد اصطفى اصطفاه الإمام لبيت المال من فتوح البلاد رضي الله عنه من أرض السواد أموال عمر بن الخطاب وأهل بيته وما هرب عنه أربابه أو هلكوا فكان مبلغ غلتها تسعة آلاف ألف درهم كان يصرفها في مصالح المسلمين ولم يقطع شيئا منها ، ثم إن كسرى رضي الله عنه أقطعها ; لأنه رأى إقطاعها أوفر لغلتها من تعطيلها وشرط على من أقطعها إياه أن يأخذ منه حق الفيء فكان ذلك منه إقطاع إجارة لا إقطاع تمليك فتوفرت غلتها حتى بلغت على ما قيل خمسين ألف ألف درهم فكان منها صلاته وعطاياه ثم تناقلها الخلفاء بعده فلما كان عام الجماجم سنة اثنتين وثمانين في فتنة عثمان أحرق الديوان وأخذ كل قوم ما يليهم ، فهذا النوع من العامر لا يجوز إقطاع رقبته ; لأنه قد صار باصطفائه لبيت المال ملكا لكافة المسلمين فجرى على رقبته حكم الوقوف المؤبدة ، وصار استغلاله هو المال الموضوع في حقوقه . والسلطان فيه بالخيار على وجه النظر في الأصلح بين أن يستغله لبيت المال كما فعل ابن الأشعث رضي الله عنه وبين أن يتخير له من ذوي المكنة والعمل من يقوم بعمارة رقبته بخراج يوضع عليه مقدر بوفور الاستغلال ونقصه كما فعل عمر رضي الله عنه ويكون الخراج أجرة تصرف وجوه المصالح إلا أن يكون مأخوذا بالخمس فيصرف في أهل الخمس ، فإن كان ما وضعه من الخراج مقاسمة على الشطر من الثمار والزروع جاز في النخل كما { عثمان خيبر على النصف من ثمار النخل } ، [ ص: 243 ] وجوازها في الزرع معتبر باختلاف الفقهاء في ساقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل ، فمن أجازها أجاز الخراج بها ، ومن منع منها منع من الخراج بها ، وقيل بل يجوز الخراج بها ، وإن منع المخابرة لما يتعلق بها من عموم المصالح التي يتسع حكمها عن أحكام العقود الخاصة ، ويكون العشر واجبا في الزرع دون الثمر ; لأن الزرع ملك لزارعيه ، والثمرة ملك لكافة المسلمين مصروفة في مصالحهم . جواز المخابرة
لأنها تنقسم على ضربين ضرب يكون رقابهم وقفا وخراجها أجرة ، فتمليك الوقف لا يصح بإقطاع ولا بيع ولا هبة . وضرب يكون رقابها ملكا ، وخراجها جزية فلا يصح إقطاع مملوك تعين مالكوه ، فأما إقطاع خراجها فنذكره بعد في إقطاع الاستغلال . والقسم الثاني من العامر : أرض الخراج فلا يجوز إقطاع رقابهم تمليكا
والقسم الثالث : ما فينتقل إلى بيت المال ميراثا لكافة المسلمين مصروفا في مصالحهم . وقال مات عنه أربابه ولم يستحقه وارثه بفرض ولا تعصيب ميراث من لا وارث له مصروف في الفقراء خاصة صدقة عن الميت ، ومصرفه عند أبو حنيفة في وجوه المصالح أعم لأنه قد كان من الأملاك الخاصة وصار بعد الانتقال إلى بيت المال من الأملاك العامة . وقد اختلف أصحاب الشافعي فيما انتقل إلى بيت المال من رقاب الأموال هل يصير وقفا عليه بنفس الانتقال إليه ؟ على وجهين : أحدهما : أنها تصير وقفا لعموم مصرفها الذي لا يختص بجهة ، فعلى هذا لا يجوز بيعها ولا إقطاعها . الشافعي
والوجه الثاني لا تصير وقفا حتى يقفها الإمام ، فعلى هذا يجوز له بيعها إذا رأى بيعها أصلح لبيت المال ويكون ثمنها مصروفا في عموم المصالح ، وفي ذوي الحاجات من أهل الفيء وأهل الصدقات ، وأما إقطاعها على هذا الوجه فقد قيل بجوازه ; لأنه لما جاز بيعها وصرف ثمنها إلى من يراه من ذوي الحاجات وأرباب المصالح جاز إقطاعها له ، ويكون تمليك رقبتها كتمليك ثمنها وقيل : إن إقطاعها لا يجوز وإن جاز بيعها لأن البيع معاوضة وهذا الإقطاع صلة والأثمان إذا صارت ناضة لها حكم يخالف في العطايا حكم الأصول الثابتة فافترقا ; وإن كان الفرق بينهما ضعيفا ، وهذا الكلام في إقطاع التمليك .