فأما الظاهرة فهي ما كان جوهرها المستودع فيها بارزا كمعادن الكحل والملح والقار والنفط ، وهو كالماء الذي لا يجوز إقطاعه والناس فيه سواء يأخذه من ورد إليه ، روى ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده .
{ الأبيض بن حمال استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملح مأرب فأقطعه ، فقال الأقرع بن حابس التميمي : يا رسول الله إني وردت هذا الملح في الجاهلية ، وهو بأرض ليس فيها غيره من ورده أخذه وهو مثل الماء العد بالأرض فاستقال الأبيض في قطيعة الملح . فقال قد أقلتك على أن تجعله مني صدقة . فقال النبي عليه الصلاة والسلام : هو منك صدقة ، وهو مثل الماء العد من ورده أخذه } . أن
قال : الماء العد هو الذي له مواد تمده مثل العيون والآبار . فقال غيره : هو الماء المتجمع المعد فإن أقطعت هذه المعادن الظاهرة لم يكن لإقطاعها حكم وكان المقطع وغيره فيها سواء ، وجميع من ورد إليها أسوة مشتركون فيها ، فإن منعهم المقطع منها كان بالمنع متعديا وكان لما أخذه [ ص: 248 ] مالكا لأنه متعد بالمنع لا بالأخذ فكف عن المنع وصرف عن مداومة العمل لئلا يثبته إقطاعا بالصحة أو يصير معه كالأملاك المستقر . أبو عبيد
وأما المعادن الباطنة فهي ما كان جوهرها مستكنا فيها لا يوصل إليه إلا بالعمل كمعادن الذهب والفضة والصفر والحديد ، فهذه وما أشبهها معادن باطنة سواء احتاج المأخوذ منها إلى سبك وتخليص أو لم يحتج .
وفي جواز إقطاعها قولان : أحدهما لا يجوز كالمعادن الظاهرة وكل الناس فيها شرع .
والقول الثاني : يجوز إقطاعه لرواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بلال بن الحارث المعادن القبلية جلسيها وغوريها ، وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يقطعه حق مسلم } . أقطع
وفي الجلسي والغورى تأويلان : أحدهما أنه أعلاها وأسفلها ، وهو قول . عبد الله بن وهب
والثاني : أن الجلسي بلاد نجد والغورى بلاد تهامة ، وهذا قول أبي عبيدة ومنه قول الشماخ ( من الطويل ) :
فمرت على ماء العذيب وعينها كوقب الحصى جلسيها قد تغورا
فعلى هذا يكون المقطع أحق بها وله منع الناس منها .وفي حكمه قولان : أحدهما أنه إقطاع تمليك يصير به المقطع مالكا لرقبة المعدن كسائر أمواله في حال عمله وبعد قطعه يجوز له بيعه في حياته وينتقل إلى ورثته بعد موته .
والقول الثاني أنه إقطاع إرفاق لا يملك به رقبة المعدن ويملك به الارتفاق بالعمل فيه مدة مقامه عليه ، وليس لأحد أن ينازعه فيه ما أقام على العمل ، فإذا تركه زال حكم الإقطاع عنه وعاد إلى حال الإباحة ; فإذا أحيا مواتا بإقطاع أو غير إقطاع فظهر فيه بالإحياء معدن ظاهر أو باطن ملكه المحيي على التأبيد كما يملك ما استنبطه من العيون واحتفره من الآبار