وأما ; فإن كان من الأموال الظاهرة فعامل الصدقة يأخذها منه جبرا أخص ، وهو بتعزيره على الغلول إن لم يجد له عذرا أحق ، وإن كان من الأموال الباطنة فيحتمل أن يكون المحتسب أخص بالإنكار عليه من عامل الصدقة ; لأنه لا اعتراض للعامل في الأموال الباطنة ، ويحتمل أن يكون العامل بالإنكار عليه أخص ; لأنه لو دفعها له أجزأه ، ويكون تأديبه معتبرا بشواهد حاله في الامتناع من إخراج زكاته ، فإن ذكر أنه يخرجها سرا وكل إلى أمانته فيها . الممتنع من إخراج الزكاة
وإن أنكره عليه وأدبه فيه وكان المحتسب بإنكاره أخص من عامل الصدقة . رأى رجلا يتعرض لمسألة الناس في طلب الصدقة وعلم أنه غني إما بمال أو عمل
قد فعل رضي الله عنه مثل ذلك بقوم من أهل الصدقة ، ولو رأى عليه آثار الغنى وهو يسأل الناس أعلمه تحريمها على المستغني عنها ولم ينكره عليه لجواز أن يكون في الباطن فقيرا ، وإذا عمر زجره وأمره أن يتعرض للاحتراف بعمله ، فإن أقام على المسألة عزره حتى يقلع عنها . تعرض للمسألة ذو جلد وقوة على العمل
وإن دعت الحالة عند إلحاح من حرمت عليه المسألة لمال أو عمل إلى أن ينفق على ذي المال جبرا من ماله ويؤجر ذا العمل وينفق عليه من أجرته لم يكن للمحتسب أن يفعل ذلك بنفسه ; لأن هذا حكم والحكام به أحق فيرفع أمره إلى الحاكم ليتولى ذلك أو يأذن فيه .
[ ص: 310 ] وإذا جواب أنكر عليه التصدي لما ليس هو من أهله وأظهر أمره لئلا يغتر به . وجد من يتصدى لعلم الشرع ، وليس من أهله من فقيه أو واعظ ولم يأمن اغترار الناس به في سوء تأويل أو تحريف
ومن أشكل عليه أمره لم يقدم عليه بالإنكار إلا بعد الاختبار .
قد مر عليه السلام علي بن أبي طالب وهو يتكلم على الناس فاختبره ، فقال له ما عماد الدين ؟ فقال : الورع ، قال : فما آفته ؟ قال الطمع ، قال : تكلم الآن إن شئت ، وهكذا لو بالحسن البصري وخالف فيه النص ورد قوله علماء عصره أنكره عليه وزجره عنه ، فإن أقلع وتاب وإلا فالسلطان بتهذيب الدين أحق وإذا ابتدع بعض المنتسبين إلى العلم قولا خرق به الإجماع تتكلف له غمض معانيه أو تفرد بعض الرواة بأحاديث مناكير تنفر منها النفوس أو يفسد بها التأويل كان على المحتسب إنكار ذلك والمنع منه ، وهذا إنما يصح منه إنكاره إذا تميز عنده الصحيح من الفاسد والحق من الباطل ، وذلك من أحد وجهين ، إما أن يكون بقوته في العلم واجتهاده فيه حتى لا يخفى ذلك عليه ، وإما بأن يتفق علماء الوقت على إنكاره وابتداعه فيستعدونه فيه فيعول في الإنكار على أقاويلهم وفي المنع منه على اتفاقهم . تعرض بعض المفسرين لكتاب الله تعالى بتأويل عدل فيه عن ظاهر التنزيل إلى باطن بدعة