روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } . لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس
فإذا اعتزلت هذه الفئة الباغية أهل العدل وتحيزت بدار تميزت فيها عن مخالطة الجماعة فإن لم تمتنع عن حق ولم تخرج عن طاعة لم يحاربوا ما أقاموا على الطاعة وتأدية الحقوق .
قد اعتزلت طائفة من الخوارج عليه السلام عليا بالنهروان فولى عليهم عاملا أقاموا على طاعته زمانا وهو لهم موادع إلى أن قتلوه فأنفذ إليهم أن سلموا إلي قاتله فأبوا وقالوا كلنا قتله قال فاستسلموا إلي أقتص منكم وسار إليهم فقتل أكثرهم . وإن ، فإن فعلوا ذلك ولم ينصبوا لأنفسهم إماما ولا قدموا عليهم زعيما كان ما اجتبوه من الأموال غصبا لا تبرأ منه ذمة ، وما نفذوه من الأحكام مردودا لا يثبت به حق . امتنعت هذه الطائفة الباغية من طاعة الإمام ومنعوا ما عليهم من الحقوق وتفردوا باجتباء الأموال وتنفيذ الأحكام
وإن اجتبوا بقوله الأموال ونفذوا بأمره الأحكام لم يتعرض لأحكامهم بالرد ولا لما اجتبوه بالمطالبة وحوربوا في الحالين على سواء لينزعوا عن المباينة ويفيئوا إلى الطاعة قال الله تبارك وتعالى : { فعلوا ذلك وقد نصبوا لأنفسهم إماما وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .
وفي قوله : { فإن بغت إحداهما على الأخرى } . وجهان : أحدهما بغت بالتعدي في القتال والثاني بغت بالعدول عن الصلح ، وقوله [ ص: 75 ] { فقاتلوا التي تبغي } يعني بالسيف ردعا عن البغي وزجرا عن المخالفة .
وفي قوله تعالى : { حتى تفيء إلى أمر الله } . وجهان : أحدهما حتى ترجع إلى الصلح الذي أمر الله تعالى به وهو قول . والثاني إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله فيما لهم وعليهم وهذا قول سعيد بن جبير . قتادة
{ فإن فاءت } أي رجعت عن البغي { فأصلحوا بينهما بالعدل } . فيه وجهان : أحدهما بالحق .
والثاني بكتاب الله تعالى ، فإذا قدم قبل القتال إنذارهم وإعذارهم ، ثم قاتلهم إذا أصروا على البغي كفاحا ولا يهجم عليهم غرة وبياتا . قلد الإمام أميرا على قتال الممتنعين من البغاة
من ثمانية أوجه : ويخالف قتالهم قتال المشركين والمرتدين
أحدها : أن يقصد بالقتال ردعهم ولا يعتمد به قتلهم ، ويجوز أن يعتمد قتل المشركين والمرتدين .
والثاني : أن يقاتلهم مقبلين ، ويكف عنهم مدبرين ، ويجوز قتال أهل الردة في الحرب مقبلين ومدبرين .
والثالث : أن لا يجهز على جريحهم وإن جاز الإجهاز على جرحى المشركين والمرتدين . أمر عليه السلام مناديه أن ينادي يوم الجمل : ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح . علي
والرابع : أن لا يقتل أسراهم وإن قتل أسرى المشركين والمرتدين . ويعتبر أحوال من في الأسر منهم ، فمن أمنت رجعته إلى القتال أطلق ، ومن لم تؤمن منه الرجعة حبس إلى انجلاء الحرب ثم يطلق ولم يجز أن يحبس بعدها . أطلق أسيرا من أصحاب الحجاج لمعرفة كانت بينهما فقال له قطري بن الفجاءة عد إلى قتال عدو الله قطري ، فقال هيهات غل يدا مطلقها واسترق رقبة معتقها ، وأنشأ يقول ( من الكامل ) : الحجاج
أأقاتل عن سلطانه بيد تقر بأنها مولاته إني إذا لأخو الدناءة والذي الحجاج
شهدت بأقبح فعله غدراته [ ص: 76 ] ماذا أقول إذا برزت إزاءه
في الصف واحتجت له فعلاته أأقول جار علي لا إني إذا
لأحق من جارت عليه ولاته وتحدث الأقوام أن صنائعا
غرست لدي فحنظلت نخلاته
والخامس : أن لا يغنم أموالهم ولا يسبي ذراريهم . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " منعت دار الإسلام ما فيها وأباحت دار الشرك ما فيها " .
والسادس : أن وإن جاز أن يستعان بهم على قتال أهل الحرب والردة . لا يستعان لقتالهم بمشرك معاهد ولا ذمي
والسابع : أن لا يهادنهم إلى مدة ولا يوادعهم على مال ، فإن هادنهم إلى مدة لم يلزمه ، فإن ضعف عن قتالهم انتظر بهم القوة عليهم ، وإن وادعهم على مال بطلت الموادعة ونظر في المال ، فإن كان من فيئهم أو من صدقاتهم لم يرده عليهم وصرف الصدقات في أهلها والفيء في مستحقيه ، وإن كان من خالص أموالهم لم يجز أن يملكه عليهم ووجب رده إليهم .
الثامن : أن ينصب عليهم العرادات ، ولا يحرق عليهم المساكن ، ولا يقطع عليهم النخيل والأشجار لأنها دار إسلام تمنع ما فيها وإن بغى أهلها ، فإن أحاطوا بأهل العدل وخافوا منهم الاصطلام جاز أن يدفعوا عن أنفسهم ما استطاعوا من اعتماد قتلهم ونصب العرادات عليهم ، فإن ، ولا يجوز أن يستمتع بدوابهم ولا سلاحهم ، ولا يستعان به في قتالهم ويرفع اليد عنه في وقت القتال وبعده ، وقال المسلم إذا أريدت نفسه جاز له الدفع عنها بقتل من أرادها إذا كان لا يندفع بغير القتل رضي الله عنه : يجوز أن يستعان على قتالهم بدوابهم وسلاحهم ما كانت الحرب قائمة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبو حنيفة } . لا يحل مال امرئ مسلم بطيب نفس منه
فإذا انجلت الحرب ومع أهل العدل لهم أموال ردت عليهم ، وما تلف منها في غير قتال فهو مضمون على متلفه ، وما أتلفوه في نائرة الحرب من نفس [ ص: 77 ] ومال فهو هدر ، وما أتلفوه على أهل العدل في غير نائرة الحرب من نفس ومال فهو مضمون عليهم ، وما أتلفوه في نائرة الحرب ففي وجود ضمانه عليهم قولان : أحدهما يكون هدرا لا يضمن .
والثاني يكون مضمونا عليهم لأن المعصية لا تبطل حقا ولا تسقط غرما ، فتضمن النفوس بالقود في العمد والدية في الخطإ . ويغسل قتلى أهل البغي ويصلى عليهم . ومنع من الصلاة عليهم عقوبة لهم ، وليس على ميت في الدنيا عقوبة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أبو حنيفة فرض على أمتي غسل موتاها والصلاة عليهم } .
وأما قتلى أهل العدل في معركة الحرب في غسلهم والصلاة عليهم فقولان : أحدهما : لا يغسلون ولا يصلى عليهم تكريما وتشريفا كالشهداء في قتال المشركين .
والثاني : يغسلون ويصلى عليهم وإن قتلوا بغيا . وقد صلى المسلمون على عمر وعثمان رضي الله عنهما ، وصلي بعد ذلك على عليه السلام وإن قتلوا ظلما وبغيا ، ولا يرث باغ قتل عادلا ولا عادل قتل باغيا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { علي } . القاتل لا يرث
وقال ، أورث العادل من الباغي لأنه محق ولا أورث الباغي من العادل لأنه مبطل . قال أبو حنيفة : أورث كل واحد منهما من صاحبه لأنه متأول في قتله ، وإذا مر تجار أبو يوسف أهل الذمة بعشار أهل البغي فعشر أموالهم ثم قدر عليهم عشروا ، ولم يجزهم المأخوذ منهم بخلاف المأخوذ من الزكاة ، لأنهم مروا بهم مختارين ، والزكاة مأخوذة من المقيمين المكرهين وإذا أتى أهل البغي قبل القدرة عليهم حدودا ففي إقامتها عليهم بعد القدرة وجهان .