فإذا تصفحوا أحوال أهل الإمامة [ ص: 8 ] الموجودة فيهم شروطها فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلا وأكملهم شروطا ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته ، فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار عرضوها عليه ، فإن أجاب إليها بايعوه عليها وانعقدت ببيعتهم له الإمامة فلزم كافة الأمة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته ، وإن تعين لهم من بين الجماعة من أداهم الاجتهاد إلى اختياره لم يجبر عليها لأنها عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار ، وعدل عنه إلى من سواه من مستحقيها . امتنع من الإمامة ولم يجب إليها
فلو قدم لها اختيارا أسنهما وإن لم تكن زيادة السن مع كمال البلوغ شرطا ، فإن تكافأ في شروط الإمامة اثنان جاز ; ولو بويع أصغرهما سنا روعي في الاختيار ما يوجبه حكم الوقت ، فإن كانت الحاجة إلى فضل الشجاعة أدعى لانتشار الثغور وظهور البغاة كان الأشجع أحق ، وإن كانت الحاجة إلى فضل العلم أدعى لسكون الدهماء وظهور أهل البدع كان الأعلم أحق ، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أشجع فقد قال بعض الفقهاء إن التنازع فيها لا يكون قدحا مانعا . وقف الاختيار على واحد من اثنين فتنازعاها
وليس طلب الإمامة مكروها ، فقد تنازع فيها أهل الشورى فما رد عنها طالب ولا منع منها راغب ، واختلف الفقهاء فيما يقطع به تنازعهما مع تكافؤ أحوالهما ، فقالت طائفة : يقرع بينهما ويقدم من قرع منهما .
وقال آخرون : بل يكون أهل الاختيار بالخيار في بيعة أيهما شاءوا من غير قرعة ، فلو تعين لأهل الاختيار واحد هو أفضل الجماعة فبايعوه على الإمامة وحدث بعده من هو أفضل منه انعقدت ببيعتهم إمامة الأول ولم يجز العدول عنه إلى من هو أفضل منه ; ولو نظر ، فإن كان ذلك لعذر دعا إليه من كون الأفضل غائبا أو مريضا أو كون المفضول أطوع في الناس وأقرب في القلوب انعقدت بيعة المفضول وصحت إمامته . ابتدءوا بيعة المفضول مع وجود الأفضل
وإن بويع لغير عذر فقد اختلف في انعقاد بيعته وصحت إمامته ; فذهبت طائفة منهم إلى أن بيعته لا تنعقد ; لأن الاختيار إذا دعا إلى أولى الأمرين لم يجز العدول عنه إلى غيره مما ليس بأولى كالاجتهاد في الأحكام الشرعية . الجاحظ
وقال الأكثر من الفقهاء [ ص: 9 ] والمتكلمين تجوز إمامته وصحت بيعته ، ولا يكون وجود الأفضل مانعا من إمامة المفضول إذا لم يكن مقصرا عن شروط الإمامة ، كما ، لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار وليست معتبرة في شروط الاستحقاق ، فلو يجوز في ولاية القضاء تقليد المفضول مع وجود الأفضل لم يشرك فيها غيره تعينت فيه الإمامة ولم يجز أن يعدل بها عنه إلى غيره . تفرد في الوقت بشروط الإمامة واحد