الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        [ ص: 463 ] المطلب الخامس

        ما يحصل به الرجوع

        اتفق الفقهاء -رحمهم الله- على صحة الرجوع في الوصية بما دل على الرجوع صراحة، أو دلالة.

        بأي لفظ يدل على الرجوع دلالة واضحة من غير احتمال لشيء آخر، أو بعبارة أخرى: الصريح كل لفظ دل على الرجوع وضعا، مثل أن يقول الموصي: رجعت في وصيتي، أو أبطلها، أو نقضتها، أو غيرتها، أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان، أو فهو لورثتي، أو هو في ميراثي، فهذه الألفاظ نص في رجوع الموصي عن وصيته، وإبطاله لها.

        وقد اتفق الفقهاء -رحمهم الله- على صحة الرجوع عن الوصية باللفظ الدال على الرجوع دلالة صريحة.

        قال ابن قدامة في المغني: « ويحصل الرجوع بقوله: رجعت في وصيتي، أو أبطلتها، أو غيرتها، أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان، أو فهو لورثتي، أو في ميراثي » .

        وجاء في مجمع الأنهر: « ثم الرجوع قد يثبت صريحا، وقد يثبت دلالة، فلهذا قال قولا، كأن يقول: رجعت عن وصيتي أو فعلا، وهو ما فسره بقوله يقطع صفة فعلا حق المالك في الغصب أي: في المغصوب كقطع الثوب أو [ ص: 464 ] خياطته أو يزيل ملكه كالبيع والهبة، فإنه إذا باع الموصى له أو وهبه كان رجوعا دلالة، والدلالة تقوم مقام الصريح، فقام الفعل للفعل المذكور مقام القول » .

        جاء في الفواكه الدواني: « وصفة الرجوع أن يقول: رجعت عن وصيتي أو نسختها » .

        قال النووي: « وإن قال: ما أوصيت به لبشر فهو لبكر كان ذلك رجوعا في الوصية لبشر.

        وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، وهو أيضا مذهب الحسن وعطاء وطاوس ولا نعلم فيه مخالفا ; لأنه صرح بالرجوع عن الأول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني، فأشبه ما لو قال: رجعت عن وصيتي لبشر وأوصيت بها لبكر; بخلاف ما إذا أوصى بشيء واحد لرجلين أحدهما بعد الآخر، فإنه يحتمل أنه قصد التشريك بينهما، وقد ثبتت وصية الأول يقينا فلا تزول بالشك، وإن قال: ما أوصيت به لفلان، فنصفه أو ثلثه كان رجوعا في القدر الذي وصى به للثاني خاصة وباقيه للأول.

        وأجمع أهل العلم على أن للوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق، وبعضهم على جواز الرجوع في الوصية به أيضا.

        جاء في كشاف القناع: « (فإذا قال ) الموصي: (قد رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غيرتها ) أو فسختها بطلت; لأنه صريح في الرجوع (أو قال ) الموصي (في الموصى به هو لورثتي أو ) هو (في ميراثي فهو رجوع ) عن [ ص: 465 ] الوصية ; لأن ذلك ينافي كونها وصية (وإن قال: ما أوصيت به لزيد فهو لعمرو وكان لعمرو ولا شيء ) منه (لزيد ) لرجوعه عنه وصرفه إلى عمرو وأشبه ما لو صرح بالرجوع » .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية