[ ص: 463 ] المطلب الخامس
ما يحصل به الرجوع
اتفق الفقهاء -رحمهم الله- على بما دل على الرجوع صراحة، أو دلالة. صحة الرجوع في الوصية
بأي لفظ يدل على الرجوع دلالة واضحة من غير احتمال لشيء آخر، أو بعبارة أخرى: الصريح كل لفظ دل على الرجوع وضعا، مثل أن يقول الموصي: رجعت في وصيتي، أو أبطلها، أو نقضتها، أو غيرتها، أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان، أو فهو لورثتي، أو هو في ميراثي، فهذه الألفاظ نص في رجوع الموصي عن وصيته، وإبطاله لها.
وقد اتفق الفقهاء -رحمهم الله- على صحة الرجوع عن الوصية باللفظ الدال على الرجوع دلالة صريحة.
قال في المغني: « ويحصل الرجوع بقوله: رجعت في وصيتي، أو أبطلتها، أو غيرتها، أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان، أو فهو لورثتي، أو في ميراثي » . ابن قدامة
وجاء في مجمع الأنهر: « ثم الرجوع قد يثبت صريحا، وقد يثبت دلالة، فلهذا قال قولا، كأن يقول: رجعت عن وصيتي أو فعلا، وهو ما فسره بقوله يقطع صفة فعلا حق المالك في الغصب أي: في المغصوب كقطع الثوب أو [ ص: 464 ] خياطته أو يزيل ملكه كالبيع والهبة، فإنه إذا باع الموصى له أو وهبه كان رجوعا دلالة، والدلالة تقوم مقام الصريح، فقام الفعل للفعل المذكور مقام القول » .
جاء في الفواكه الدواني: « وصفة الرجوع أن يقول: رجعت عن وصيتي أو نسختها » .
قال النووي: « وإن قال: ما أوصيت به لبشر فهو لبكر كان ذلك رجوعا في الوصية لبشر.
وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، وهو أيضا مذهب وأبي ثور الحسن وعطاء ولا نعلم فيه مخالفا ; لأنه صرح بالرجوع عن الأول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني، فأشبه ما لو قال: رجعت عن وصيتي لبشر وأوصيت بها لبكر; بخلاف ما إذا أوصى بشيء واحد لرجلين أحدهما بعد الآخر، فإنه يحتمل أنه قصد التشريك بينهما، وقد ثبتت وصية الأول يقينا فلا تزول بالشك، وإن قال: ما أوصيت به لفلان، فنصفه أو ثلثه كان رجوعا في القدر الذي وصى به للثاني خاصة وباقيه للأول. وطاوس
وأجمع أهل العلم على أن للوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به وفي بعضه إلا الوصية بالإعتاق، وبعضهم على جواز الرجوع في الوصية به أيضا.
جاء في كشاف القناع: « (فإذا قال ) الموصي: (قد رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غيرتها ) أو فسختها بطلت; لأنه صريح في الرجوع (أو قال ) الموصي (في الموصى به هو لورثتي أو ) هو (في ميراثي فهو رجوع ) عن [ ص: 465 ] الوصية ; لأن ذلك ينافي كونها وصية (وإن قال: ما أوصيت به لزيد فهو لعمرو وكان لعمرو ولا شيء ) منه (لزيد ) لرجوعه عنه وصرفه إلى عمرو وأشبه ما لو صرح بالرجوع » .