المطلب الثاني والعشرون: قرض ماله
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم ذلك:
الأصل أن الولي لا يجوز له لما تقدم من أن تصرف الولي في مال اليتيم تصرف مصلحة لا تشه واختيار، وإقراض ماله ليس من مصلحته. إقراض مال اليتيم;
اختلف العلماء رحمهم الله في ملك الولي لقرض مال اليتيم على قولين:
القول الأول: أنه يجوز قرضه للمصلحة مطلقا.
مثل: أن يخاف عليه الهلاك من نهب، أو غرق، أو غيرهما، أو يكون مما يتلف بتطاول مدته، أو حديثه خير من قديمه كالحنطة، ونحوها، فيقرضه خوفا من السوس، أو نقص قيمته، وأشباه هذا.
وهو قول جمهور أهل العلم، واستثنى الحنفية، وبعض الشافعية القاضي، فله قرضه مطلقا.
[ ص: 308 ] ونص الحنابلة: أنه متى أمكن الولي التجارة به، أو تحصيل عقار له فيه حظ لم يقرضه; لأن ذلك يفوت الحظ على اليتيم.
وحجة هذا القول:
1- ما تقدم من الأدلة على عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وإقراضه عند المصلحة قربان له بالتي هي أحسن.
2- ما ورد أن -رضي الله عنهما- «كان يستقرض مال اليتيم». ابن عمر
قال «إنما استقرض نظرا لليتيم، واحتياطا له إن أصابه شيء غرمه». الإمام أحمد:
3- أن لليتيم في إقراض ماله للمصلحة حظا، فجاز كالتجارة به.
4- أنه إذا لم يكن في إقراض ماله حظ لم يجز; لأنه تبرع بمال اليتيم فلم يجز كهبته.
واحتج من استثنى القاضي فله قرضه ماله مطلقا:
1- أن إقراض القاضي من باب حفظ الدين; إذ الظاهر أن القاضي يختار أملأ الناس وأوثقهم، وله ولاية التفحص عن أحوالهم، فيختار من لا يتحقق إفلاسه ظاهرا وغالبا.
2- أن القاضي ذو سلطة تضمن استرداد القرض في أجله، وتمنع جحوده ممن اقترضه، ولهذا يجوز له دون غيره.
القول الثاني: عدم جواز قرض مال اليتيم مطلقا.
[ ص: 309 ] وهو وجه عند الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد.
وحجة هذا القول:
1- ما ورد عن -رضي الله عنه- أنه قال: «لا تشتر شيئا من ماله -أي اليتيم- ولا تستقرض شيئا من ماله». ابن مسعود
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه محمول على عدم المصلحة، كما أنه مخالف لما ورد عن رضي الله عنهما. ابن عمر
2- أن القرض إزالة الملك من غير عوض للحال، وهو معنى قولهم: القرض تبرع، وهو لا يملك سائر التبرعات.
ولعله يناقش: بعدم التسليم; فالقرض ليس تبرعا من كل وجه، بل يثبت بدله، وما فيه من شائبة التبرع مقرون بالمصلحة.
الترجيح:
تقدم أن الأصل عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، وأن تصرف الولي منوط بالمصلحة لا بالاختيار والتشهي، وإقراض ماله ليس من مصلحته، وعليه فلا يجوز إلا إذا تعين طريقا لحفظه بحيث لم يمكن حفظه إلا بالقرض فيجوز لظهور المصلحة حينئذ، وبهذا تجتمع أدلة المسألة.