المطلب الخامس والعشرون: أكل الوصي من مال اليتيم
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ملك ذلك:
وفيه أمران: الأمر الأول: أن يكون الولي غنيا.
إذا كان الولي غنيا، فاختلف أهل العلم في ملكه للأكل من مال اليتيم على قولين:
القول الأول: أنه لا يملك الأكل من مال اليتيم.
[ ص: 324 ] وهذا قول جمهور أهل العلم.
واستثنى الحنابلة -رحمهم الله-: ما إذا فرضه الحاكم للغني، فيجوز بلا خلاف عندهم.
وحجته:
1- قوله تعالى: ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف
فالآية صريحة في عدم ملكية الولي الأكل من مال اليتيم.
(331) وقد روى البخاري من طريق ومسلم عن أبيه، عن هشام بن عروة، -رضي الله عنها- أنها قالت: عائشة ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف أنزلت في ولي اليتيم الذي يقيم عليه، ويصلح في ماله إن كان فقيرا أكل من ماله بالمعروف».
ونوقش الاستدلال بهذه الآية: بأنها محمولة على الاستحباب.
وأجيب: بأن الأصل في الأمر الوجوب، وصرف الأمر إلى الاستحباب يحتاج إلى دليل، ولا دليل هنا.
ورد: بوجود الدليل وهو قوله تعالى: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ; إذ لا يجب على الفقير أن يأكل.
[ ص: 325 ] (332) 2- ما رواه من طريق ابن أبي شيبة حارثة بن مضرب العبدي قال: قال رضي الله عنه: «إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استغنيت منه استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف». عمر
-رضي الله عنه- له سنة متبعة. وعمر
(333) 3- ما رواه من طريق الحاكم الحكم، عن مقسم، عن رضي الله عنهما: «في قوله تعالى: ابن عباس ومن كان غنيا فليستعفف فلا يحتاج إلى مال اليتيم ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف يأكل من ماله، مثل أن يقوت حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم».
وقول الحنابلة -رحمهم الله- إذا فرضه الحاكم للغني جاز ظاهرا; إذ إن حكم الحاكم يرفع الخلاف.
القول الثاني: أنه يجوز للغني الأكل.
[ ص: 326 ] وهو وجه عند الشافعية، ورواية عن وبه قال الإمام أحمد، ابن عقيل.
وحجته:
1- القياس على عامل الزكاة، فله الأخذ مع غناه.
ونوقش: بأنه قياس فاسد الاعتبار لمخالفته صريح النص.
2- أنه يجوز للغني أن يأكل من بيت المال، فكذلك يجوز للوصي إن كان غنيا أن يأكل من مال اليتيم.
ونوقش من وجهين:
الأول: أن قول -رضي الله عنه- «أنا كولي اليتيم...» دليل على أن الخليفة ليس كالوصي، ولكن عمر بورعه جعل نفسه كالوصي. عمر
الثاني: أن الذي يأكله الخلفاء والولاة والفقهاء ليس بأجرة، وإنما هو حق جعله الله لهم، وإلا فالذي يفعلونه فرض عليهم، وكيف تجب لهم الأجرة، وهو فرض عليهم.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور أهل العلم; لصراحة الآية في ذلك، وتفسير الصحابة -رضي الله عنهم- لها بما ذهب إليه جمهور أهل العلم، وتفسير الصحابة حجة يحتكم إليه، ولا يحكم عليه.