المسألة الثانية: الرجوع فيما أنفقه المستأجر للوقف على عمارته:
إذا عمر المستأجر الوقف المؤجر له، ففي حكم رجوعه بما أنفق تفصيل، وذلك أن الأمر لا يخلو من حالتين:
الحال الأولى: أن تكون العمارة بإذن الناظر:
إذا عمر مستأجر العين الموقوفة تلك العين بإذن ناظرها، فيكون المتصرف هو الناظر، والمستأجر في منزلة المنفذ، وعلى هذا فيجري فيه [ ص: 373 ] الخلاف السابق، فمقتضى من قال إن للناظر الرجوع بما أنفقه على عمارة الوقف ولو بلا إذن القاضي - وهم المالكية والحنابلة - : أنه يجوز للمستأجر الرجوع في غلة الوقف، ومقتضى من قال: إنه لا يجوز للناظر الرجوع بما أنفقه إلا إذا كان بإذن الناظر: أنه لا يسوغ للمستأجر الرجوع في غلة الوقف، بل قالوا يرجع على الناظر إن كان حيا أو على تركته إن كان ميتا، وليس للناظر ولا لورثته الرجوع به على الوقف ما دام لم يأذن له الحاكم بذلك ولم يشرطه له الواقف.
لكن ذهب بعض الحنفية، وبعض الشافعية في هذه المسألة إلى ما ذهب إليه المالكية والحنابلة، قال في الفتاوى الخيرية: «اعلم أن عمارة الوقف بإذن متوليه ليرجع بما أنفق توجب الرجوع باتفاق أصحابنا بما أنفق» .
وتعقب ابن عابدين هذا القول فقال: «وظاهر ما مر عن الخيرية: أنه يرجع وإن لم يكن في يد القيم مال من غلة الوقف، وهو خلاف ما قدمناه عن الخانية فيما لو أنفق من مال نفسه، فلعل ما هنا مبني على رواية أنه لا يشترط في الاستدانة إذن القاضي، وإلا فهو مشكل فليتأمل» .
وقال القليوبي: «إذن الناظر لمستأجر الوقف في الصرف في عمارته، ونقل عن بعض شيوخه قوله: هذا إن كان الصرف من أجرة عليه، فإن أريد الصرف ليكون دينا على الوقف، فلا يكفي إذن الناظر، بل لابد من إذن القاضي، ونقل عن بعضهم قوله: لابد من إذن القاضي مطلقا، ولا يكفي إذن الناظر وحده، قال: واكتفى بعض مشايخنا بإذن الناظر وحده مطلقا خصوصا إذا لزم على إذن القاضي غرامة مال» .
[ ص: 374 ] الحال الثانية: عمارة المستأجر العين الموقوفة بلا إذن الناظر:
إذا عمر مستأجر العين الموقوفة من غير إذن الناظر، ففي رجوعه بما أنفق على العمارة خلاف بين العلماء على النحو التالي:
القول الأول: أنه إذا لم يضر بالوقف نزع ما عمره المستأجر، وإن أضر به فإنه يتملك الوقف بأقل القيمتين منزوعا وغير منزوع.
وهذا هو قول الحنفية.
دليل هذا القول: أن المستأجر هو المتعدي، فيتحمل ما يلحقه من ضرر، وما ضاع له من مال هو المضيع له.
القول الثاني: أن المستأجر يرجع بقيمة ما أنفق إذا كان في البناء نفع للوقف، ويتملك لجهة الوقف.
وهذا هو قول بعض الحنفية، والمالكية، والحنابلة، لكن بعض الحنابلة قيد ذلك بأن يكون شرطه الواقف في وقفه، أو رضي مستحق الريع بذلك.