المطلب الثالث: الفرق بين الوصية والوقف
، منها: الوصية والوقف يجتمعان في عدة أمور
1 - أنهما من القرب التي ندب إليها الشارع، وحث عليها؛ تداركا لما فات الإنسان من أعمال الخير، وإحسان إلى الموصى لهم والموقوف عليهم، وزيادة في الأجر والثواب لمن أوصى ووقف.
2 - أنهما لا يكونان بمعصية كآلة طرب، ولا للمعصية كالوصية للكنائس والوقف عليها; لأن المقصود منهما البر والمعروف وزيادة الحسنات، وفي الوصية للمعصية والوقف عليها تشجيع لأهلها، وترويج لها، وإعانة عليها وهي محرمة.
3 - أن الوصية لا تجوز للكافر الحربي، وكذلك الوقف عليه; لعداوته [ ص: 88 ] وبغضه الشديدين للإسلام والمسلمين; ولما في ذلك من النصر له، والتقوية لشوكته، وهذا من لوازم ما قبله.
4 - أن الوصية تجوز للذمي، وكذلك الوقف عليه; لما في ذلك من تأليف قلبه وترغيبه في الإسلام.
ويفترقان في أحكام كثيرة كما يلي:
1 - أن الوقف: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة - كما سبق- بينما الوصية: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء كان في الأعيان أو في المنافع.
2 - في الموضوع، فموضوع الوقف المال فقط، وأما الوصية فموضوعها التبرع بالمال، والأمر بالتصرف بعد موت الموصي، كتغسيله وتكفينه ونحو ذلك، وكتنفيذ وصيته المالية.
3 - أن الوقف لا يكون إلا من جائز التصرف، بخلاف الوصية فتصح في المال من السفيه والصغير العاقل، كما بينته في أحكام الوصية.
4 - أن الوقف عقد لازم بخلاف الوصية، فلا تلزم إلا بعد الموت.
5 - أن الوقف لا يصح إلا على عين ينتفع بها مع بقائها عند كثير من العلماء كما سيأتي، بخلاف الوصية.
6 - لا يجوز الوقف على الحربي والمرتد، وتجوز الوصية لهما.
7 - لا يصح وقف أواني الذهب والفضة، بخلاف الوصية بهما فتصح.
[ ص: 89 ] 8 - لا يجوز تعليق الوقف إلا بالموت عند بعض العلماء، بخلاف الوصية فتصح مطلقة ومعلقة.
9 - لا يصح وقف المحجور عليه لحظ غيره، بخلاف الوصية.
10 - لا يجوز الوقف على المدبر، وأم الولد عند بعض العلماء، وتصح الوصية لهما.
11 - الوقف ينتقل من بطن إلى بطن ومن جهة إلى أخرى، بخلاف الوصية، فهي ملك لمن وصي له.
12 - لا يملك الموقوف عليه رد الوقف، وعدم قبوله عند بعض العلماء كما سيأتي، ويملك الموصى له رد الوصية.
13 - لا يصح شرط الخيار، أو الرجوع في الوقف عند كثير من العلماء، ويصح في الوصية.
14 - لا يجوز التصرف في الوقف في الجملة ببيع أو نحوه، بخلاف الوصية.
15 - لا يجوز وطء الأمة الموقوفة، بخلاف الموصى بها.
16 - أن الوقف يلزم ولا يجوز الرجوع فيه في قول عامة أهل العلم.
(17) لما رواه من طريق البخاري ، عن نافع رضي الله عنه قال: ابن عمر عمر بخيبر أرضا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، فتصدق أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث في الفقراء، والقربى، والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقه غير متمول فيه" عمر . أصاب
[ ص: 90 ] أما الوصية فإنها لا تلزم، ويجوز للوصي أن يرجع في جميع ما أوصى به أو بعضه، إلا الوصية بالإعتاق، والأكثرون على جواز الرجوع فيها أيضا.
وإنما كان له الرجوع في الوصية; لأن التبرع بها مشروط بالموت، فلم يملك إجازتها ولا ردها، فقبل الموت لم يوجد التبرع، بخلاف الوقف.
17 - أن التمليك في الوصية ينصب -غالبا- على ذات العين الموصى بها، وقد ينصب -أحيانا- على منفعة العين، في حين أن الوقف يخرج العين من أن تكون مملوكة لأحد، فلا تمليك فيه أبدا، وإنما فيه تخصيص منفعة لا غير.
18 - أن التمليك في الوصية لا يتحقق -أي: لا يظهر حكمه قطعا إلا بعد موت الموصي- في حين يظهر حكمه في الوقف أثناء حياة الواقف وبعد مماته.
19 - أن الوصية لا تجوز إلا في حدود الثلث، وما زاد على الثلث يقف على إجازة الورثة، فإن أجازوه جاز، وإن ردوه بطل في قول جمهور العلماء، في حين أن الوقف لا حد لأكثره، إلا إذا كان في مرض الموت أو معلقا بالموت، فإن الوقف في مرض الموت كالوصية في حق نفوذه من الثلث، والوقف المضاف إلى ما بعد الموت وصية حتى إنه يجوز الرجوع عنه، فإن مات من غير رجوع عنه ينفذ من الثلث.
[ ص: 91 ] 20 - أن الوصية لا تجوز لوارث إلا إذا أجاز الورثة ذلك.
قال : "إن الإنسان إذا أوصى لوارث بوصية، فلم يجزها سائر الورثة لم تصح بغير خلاف". ابن قدامة
بينما الوقف يجوز للوارث إلا إذا كان في مرض الموت، فالصحيح أنه لا يجوز إلا بإجازة الورثة; لأنه تخصيص لبعض الورثة بمال في مرضه فمنع منه كالهبات، ولأن كل من لا تجوز له الوصية بالعين لا تجوز له بالمنفعة كالأجنبي فيما زاد على الثلث.
21 - أن الوقف لا يجوز تعليقه على شرط مستقبل في الحياة; لأنه عقد يبطل بالجهل فلم يصح تعليقه كالبيع، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية الصحة; لأن المسلمين على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، وأيضا فلا ضرر في تعليقه، أما الوصية فيجوز تعليقها; لأنها تجوز في المجهول فجاز تعليقها بالشرط
* * *