المسألة الثالثة: موت الموصى له:
اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في على قولين: موت الموصى له بعد موت الموصي، هل يعتبر قبولا أو لا؟
القول الأول: أنه لا يعتبر قبولا.
[ ص: 248 ] وهو قول جمهور أهل العلم.
القول الثاني: أنه يعتبر قبولا.
وهو قول الحنفية .
قال في الدر المختار: "والمراد بالقبول ما يعم الصريح والدلالة بأن يموت الموصى له بعد موت الموصي بلا قبول كما سيجيء، وحكمها كون الموصى به ملكا جديدا للموصى له، كما في الهبة فيلزمه".
الأدلة:
دليل القول الأول:
أن القبول عمل إيجابي يعبر عن رضا الموصى له، فإذا لم يصر منه ما يدل عليه لا يمكن ادعاء حصوله، خاصة وأن السكوت يدل على عدم الرضا عند كثير من الفقهاء والأصوليين، كما أنه قد يموت قبل علمه بالوصية، فلا يمكن القول بأن سكوته دليل على رضاه في هذه الحالة.
أدلة القول الثاني:
1 - أن الوصية من جانب الموصي قد تمت بموته تماما، لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقفت لحق الموصى له، فإذا مات دخلت في ملكه كما في البيع المشروط فيه الخيار للمشتري إذا مات قبل الإجازة.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن الوصية عقد يفتقر إلى قبول المتملك، فلم يلزم قبل القبول كالبيع والهبة.
[ ص: 249 ] 2 - أن أحد الركنين من جانب الموصى له وهو القبول لا يشترط لعينه، بل لوقوع اليأس عن الرد، وقد حصل ذلك بموت الموصى له.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن الموصى له إذا لم يملك إلا بالقبول، وهو أصل، فوارثه أولى أن لا يملك بغير قبول وهو فرع.
3 - أن القبول لما تعذر ممن له حق القبول سقط اعتباره لمكان العذر، كما لو كانت الوصية للمساكين.
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه لا يسلم سقوط اعتبار القبول لمكان العذر كالبيع، وسائر العقود، ولا يصح القياس على الوصية للمساكين; لأنه لا يشترط القبول لصحة الوصية لغير معين بخلاف الوصية للمعين، فإن القبول شرط فيها.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم -: هو القول الأول; لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الآخر بما ورد عليها من المناقشة.