الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المبحث الرابع: الشرط الرابع: أن يكون جادا

        (وصية الهازل)

        يشترط أن يكون الموصي جادا في وصيته، غير هازل ولا لاعب، أو يمازح الموصى له.

        وقد اختلف العلماء رحمهم الله في اعتبار هذا الشرط على قولين:

        القول الأول: عدم صحة وصية الهازل .

        وهو قول الحنفية ، وقول عند الشافعية ، ومذهب الحنابلة بناء على عدم صحة هبة الهازل.

        القول الثاني: صحة وصية الهازل.

        وهو قول الشافعية على الأصح.

        قال النووي : "الطلاق والعتق ينفذان من الهازل ظاهرا وباطنا، فلا تديين فيهما، وينفذ أيضا النكاح والبيع وسائر التصرفات مع الهزل على الأصح".

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1 - قوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم

        [ ص: 358 ] 2 - ما تقدم من الأدلة على اشتراط الرضا.

        وجه الدلالة: أن الهازل غير راض بفعله، ولم ينو بكلامه حقيقة الوصية، ولم يقصد إنشاءها، فلا تصح منه، فهو وإن رضي في الظاهر فإنه لم يرض في الباطن.

        3 - قوله تعالى: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم

        وجه الدلالة: أن الآية دلت على اعتبار العزم، والهازل لا عزم له فلا يقع طلاقه، ومن لم يقع طلاقه لم تصح وصيته.

        ونوقش الاستدلال بهذه الآية من وجهين:

        الوجه الأول: أن الآية وردت في حق المولي، وأن مدة الإيلاء إذا مضت لا يقع بها طلاق كما هو قول الحنفية ، بل لا بد من مشيئة الزوج وعزمه بعد نهاية المدة.

        الوجه الثاني: أن العزم يعتبر في غير الصريح، واللفظ الصريح لا يعتبر فيه العزم.

        4 - ما رواه عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" .

        والهازل لا نية له في الباطن.

        أدلة القول الثاني:

        1 - قوله تعالى: ولا تتخذوا آيات الله هزوا

        [ ص: 359 ] وجه الدلالة: أن الله تعالى نهى عن اتخاذ أحكامه على طريق الهزء، فإنها جد كلها، فمن هزل فيها لزمته.

        ونوقش: أنه لا يلزم من الإثم الوقوع في حكم الوصية.

        (149) 2 - ولما رواه سعيد بن منصور في سننه من طريق عبد الرحمن بن حبيب ، عن عطاء ، عن ابن ماهك ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة" .

        [ ص: 360 ] فمفهومه: أن ما عدا هذه الثلاثة لا يكون هزله جدا، بل هزلهن هزل، وعليه فلا تصح وصية الهازل.

        (150) 3 - ما رواه عبد الرزاق من طريق عبد الكريم أبي أمية ، عن جعدة بن هبيرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "ثلاث اللاعب فيه والجاد سواء: الطلاق، والصدقة، والعتاقة" .

        (ضعيف).

        [ ص: 361 ] (151) 4 - ما رواه عبد الرزاق من طريق جابر ، عن عبد الله بن نجي ، عن علي رضي الله عنه قال: "ثلاث لا لعب فيهن: النكاح، والطلاق، والعتاقة، والصدقة..." .

        (152) 5 - ما رواه عبد الرزاق من طريق الحسن ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "ثلاث اللاعب فيه كالجاد: النكاح، والطلاق، والعتاقة" .

        (153) 6 - ما رواه عبد الرزاق من طريق عبد الكريم ، أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من طلق لاعبا، أو نكح لاعبا فقد جاز" .

        [ ص: 362 ] الترجيح:

        الراجح - والله أعلم -: عدم صحة وصية الهازل; لأنه وإن رضي ظاهرا لم يرض باطنا، والأصل عدم التبرع، وبراءة الذمة.

        [ ص: 363 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية