[ ص: 116 ] المطلب الحادي عشر
نفقة العين الموصى بمنفعتها
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: سقي الشجرة الموصى بثمرتها:
إذا أوصى له بثمرة شجرة مدة معينة، أو بما تثمر أبدا، فعلى من يكون سقي الشجرة المثمرة ؟ خلاف على قولين:
القول الأول: إذا أوصى له بثمرة شجرة مدة معينة، أو بما تثمر أبدا صح ذلك، ولم يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على سقيها.
فإن أراد أحدهما سقيها على وجه لا يضر بصاحبه لم يملك الآخر منعه من السقي، فإن تضرر منع ; وإذا يبست الشجرة الموصى بثمرتها، كان حطبها للوارث; إذ لا حق له في رقبتها.
وبهذا قال: الشافعية ، والحنابلة .
وحجته:
1 - حديث رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ابن عباس . لا ضرر ولا ضرار
[ ص: 117 ] 2 - أنه لا يجبر على سقي ملكه، ولا سقي ملك غيره; لأن السقي تنتفع به الثمرة والشجرة، فلا يلزم أحدهما سقي ملك صاحبه.
القول الثاني: إذا أثمرت النخلة، أو الشجرة، فالسقي على صاحب الغلة – الموصى له - ، لأن منفعة ذلك ترجع إليه.
وإن لم تدرك، أو لم تحمل فالنفقة في سقيها على صاحب الرقبة; لأنه بهذه النفقة ينمو ملكه، ولا ينتفع صاحب الغلة بذلك، فليس عليه شيء من هذه النفقة.
فإن حملت عاما ثم حالت فلم تحمل شيئا، فالنفقة على الموصى له بالغلة استحسانا؛ « لأن انعدام حملها عاما لا تعد منقطعة المنفعة; لأن من الأشجار ما لا يحمل كل عام، ولا يعد ذلك انقطاع النفع بل يعد نفعا ونماء، وكذا الأشجار لا تخرج إلا في بعض فصول السنة، ولا يعد ذلك انقطاع النفع، بل يعد نفعا ونماء حتى كانت نفقتها على الموصى له بالغلة، فكذا هذا » .
فإن لم ينفق الموصى له بالغلة، وأنفق صاحب الرقبة عليها حتى حملت، فإنه يستوفي نفقته من ذلك الحمل، وما يبقى من الحمل، فهو لصاحب الغلة ; لأنه فعل ذلك مضطرا لإصلاح ملك نفسه، ودفع الفساد عن ماله، فلم يكن متبرعا، فله أن يرجع فيما حملت ; لأنه إنما حصلت هذه الفائدة بسبب نفقته » .
[ ص: 118 ] والقياس: لا يكون على الموصى له نفقتها في العام الذي حالت فيه ; لأنه لا ينتفع بها فيه، وبهذا التفصيل قال: الحنفية .
الترجيح:
يترجح مما تقدم من القولين السابقين هو: عدم لزوم الموصى له أو الوارث سقي النخيل، والشجر المثمر.
ووجه الترجيح ما يلي:
أولا: إنه لو انفرد كل واحد منهما بملك الجميع لم يجبر على الإنفاق عليه ، فإذا اشتركا لم يجب.
ثانيا: إن الوارث لم يضمن تسليم هذه الثمرة الموصى بها إلى الموصى له، فلا يلزمه سقيه، بخلاف البيع، والله أعلم.