5328 باب: انقياد الشجر للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم
وقال النووي: ( باب حديث الطويل، وقصة جابر أبي اليسر).
(حديث الباب)
وهو بصحيح \ مسلم النووي، ص 133-147 جـ18، المطبعة المصرية
[حدثنا هارون بن معروف، ومحمد بن عباد (وتقاربا في لفظ الحديث) والسياق لهارون - قالا: حدثنا عن حاتم بن إسماعيل، يعقوب بن مجاهد (أبي حزرة) عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: الأنصار، قبل أن يهلكوا، فكان أول من لقينا أبا اليسر، (صاحب [ ص: 535 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف، وعلى أبي اليسر بردة ومعافري، وعلى غلامه بردة ومعافري، فقال له أبي: يا عم إني أرى في وجهك سفعة من غضب، قال: أجل، كان لي على فلان ابن فلان الحرامي مال، فأتيت أهله، فسلمت، فقلت: ثم هو؟ قالوا: لا، فخرج علي ابن له جفر، فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي، فقلت: اخرج إلي، فقد علمت أين أنت، فخرج، فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا، والله أحدثك، ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت والله معسرا، قال: قلت: آلله! قال: آلله، قلت: آلله! قال: آلله، قلت: آلله! قال: آلله قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده، فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلا، أنت في حل، فأشهد بصر عيني هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذني هاتين، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "من أنظر معسرا أو وضع عنه، أظله الله في ظله" قال: فقلت له أنا: يا عم لو أنك أخذت بردة غلامك، وأعطيته معافريك، وأخذت معافريه وأعطيته بردتك، فكانت عليك حلة وعليه حلة، فمسح رأسي، وقال: اللهم بارك فيه، يا ابن أخي بصر عيني هاتين، وسمع أذني هاتين، ووعاه قلبي هذا [ ص: 536 ] (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون" وكان أن أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة.
ثم مضينا حتى أتينا في مسجده، وهو يصلي في ثوب واحد مشتملا به، فتخطيت القوم حتى جلست بينه وبين القبلة، فقلت: يرحمك الله أتصلي في ثوب واحد ورداؤك إلى جنبك؟ قال: فقال بيده في صدري هكذا، وفرق بين أصابعه وقوسها: أردت أن يدخل علي الأحمق مثلك، فيراني كيف أصنع، فيصنع مثله. جابر بن عبد الله
أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب، فرأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا فقال: "أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟" قال فخشعنا، ثم قال: "أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟" قال: فخشعنا، ثم قال: "أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟" قلنا: لا أينا، يا رسول الله قال: "فإن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا" ثم طوى ثوبه بعضه على بعض، فقال: "أروني عبيرا" فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله، فجاء بخلوق في راحته .
[ ص: 537 ] فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر النخامة، فقال فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم. جابر:
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط، وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني، وكان الناضح يعتقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له، فأناخه فركبه، ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن، فقال له: شأ، لعنك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا اللاعن بعيره؟" قال: أنا، يا رسول الله قال: "انزل عنه، فلا تصحبنا بملعون، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم". لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم،
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كانت عشيشية ودنونا ماء من مياه العرب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رجل يتقدمنا فيمدر الحوض فيشرب ويسقينا؟" قال فقمت فقلت: هذا رجل، يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي رجل مع جابر: فقام جابر؟" جبار بن صخر، فانطلقنا إلى البئر، فنزعنا في الحوض سجلا أو سجلين، ثم مدرناه، ثم نزعنا فيه حتى أفهقناه، فكان أول طالع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أتأذنان؟" قلنا: نعم، يا رسول [ ص: 538 ] الله فأشرع ناقته فشربت، شنق لها فشجت فبالت، ثم عدل بها فأناخها، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحوض فتوضأ منه، ثم قمت فتوضأت من متوضإ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، وكانت علي بردة ذهبت أن أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لي، وكانت لها ذباذب فنكستها، ثم خالفت بين طرفيها، ثم تواقصت عليها، ثم جاء ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، جبار بن صخر فتوضأ، ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدينا جميعا، فدفعنا حتى أقامنا خلفه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقني وأنا لا أشعر، ثم فطنت به، فقال هكذا، بيده - يعني شد وسطك - فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "يا قلت: لبيك، يا رسول الله قال: "إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك". جابر"
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قوت كل رجل منا في كل يوم تمرة، فكان يمصها ثم يصرها في ثوبه، وكنا نختبط بقسينا ونأكل، حتى قرحت أشداقنا، فأقسم أخطئها رجل منا [ ص: 539 ] يوما، فانطلقنا به ننعشه، فشهدنا أنه لم يعطها، فأعطيها فقام فأخذها".
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، لأم بينهما (يعني جمعهما) فقال: "التئما علي بإذن الله" فالتأمتا، قال فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش، الذي يصانع قائده، فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد. جابر:
(وقال محمد بن عباد) فيتبعد فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة، فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا) ثم أقبل، فلما انتهى إلي قال: "يا هل رأيت مقامي؟" قلت: نعم، يا رسول الله [ ص: 540 ] قال: "فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا، فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك". جابر
قال فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته، فانذلق لي، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقته، فقلت: قد فعلت، يا رسول الله فعم ذاك؟ قال: جابر: "إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت، بشفاعتي، أن يرفه عنهما، ما دام الغصنان رطبين".
قال: فأتينا العسكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ناد بوضوء" فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: قلت: يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من جابر الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في أشجاب له، على حمارة من جريد، قال: فقال لي: "انطلق إلى فلان ابن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟" قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه، قال: "اذهب فأتني [ ص: 541 ] به" فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزه بيديه، ثم أعطانيه، فقال: "يا ناد بجفنة" فقلت: يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل، فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بيده في الجفنة هكذا، فبسطها وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة، وقال: "خذ يا جابر فصب علي، وقل باسم الله" فصببت عليه وقلت: باسم الله، جابر ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت، فقال: "يا فرأيت الماء يتفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ناد من كان له حاجة بماء" قال فأتى الناس فاستقوا حتى رووا، قال: فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى. جابر
وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، فقال: "عسى الله أن يطعمكم" فأتينا سيف البحر فزخر البحر زخرة، فألقى دابة، فأورينا على شقها النار، فاطبخنا واشتوينا، وأكلنا حتى شبعنا، قال فدخلت أنا وفلان وفلان، حتى عد خمسة، في حجاج عينها ما يرانا أحد، حتى خرجنا، فأخذنا ضلعا من أضلاعه فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب، وأعظم جمل في الركب، وأعظم كفل في الركب، فدخل تحته ما يطأطئ رأسه]. جابر: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من
[ ص: 542 ]