فرق المقرين بالإسلام
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في كتاب «الملل والنحل»:
nindex.php?page=treesubj&link=28830فرق المقرين بملة الإسلام خمس: أهل السنة، ثم
المعتزلة، ومنهم
القدرية؛ ثم
المرجئة، ومنهم
الجهمية، والكرامية. ثم
الرافضة، ومنهم
الشيعة. ثم
الخوارج، ومنهم
الأزارقة، والأباضية.
ثم افترقوا فرقا كثيرة.
nindex.php?page=treesubj&link=28821فأكثر افتراق أهل السنة في الفروع.
وأما في الاعتقاد، ففي نبذة يسيرة. وأما الباقون، ففي مقالاتهم ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد والقريب.
فأقرب فرق
المرجئة من قال: الإيمان: التصديق بالقلب، واللسان. وليست العبادة من الإيمان.
وأبعدهم
الجهمية القائلون بأن الإيمان عقد بالقلب فقط، وإن أظهر الكفر، والتثليث بلسانه، وعبد الوثن من غير تقية.
[ ص: 116 ] والكرامية: القائلون بأن الإيمان قول باللسان فقط، وإن اعتقدوا الكفر بقلوبهم.
وساق الكلام على بقية الفرق، ثم قال:
فأما
المرجئة: فعمدتهم الكلام في الإيمان، والكفر.
فمن قال: إن العبادة من الإيمان، وإنه يزيد وينقص، ولا نكفر مؤمنا بذنب، ولا نقول: بأنه يخلد في النار، فليس مرجيا، ولو وافقهم في بقية مقالتهم.
وأما
المعتزلة: فعمدتهم الكلام في الوعد، والوعيد، والقدر.
فمن قال: القرآن ليس بمخلوق، وأثبت القدر، ورؤية الله تعالى في القيامة، وأثبت صفاته الواردة في الكتاب والسنة، وإن صاحب الكبيرة لا يخرج بذلك من الإيمان، فليس بمعتزلي، وإن وافقهم في سائر مقالاتهم.
وساق بقية ذلك إلى أن قال: وأما الكلام فيما يوصف الله تعالى به، فمشترك بين الفرق الخمسة من مثبت لها، وناف.
فرأس النفاة
المعتزلة والجهمية قد بالغوا في ذلك حتى كادوا يعطلون.
ورأس المثبتة
مقاتل بن سليمان ومن تبعه من
الرافضة، والكرامية.
فإنهم بالغوا، حتى شبهوا الله تعالى بخلقه -تعالى الله سبحانه عن أقوالهم علوا كبيرا-.
ونظير هذا التباين قول
الجهمية: إن العبد لا قدرة له أصلا، وقول
القدرية: إنه يخلق فعل نفسه.
قلت: وقد أفرد
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري خلق أفعال العباد في تصنيف، وذكر منه أشياء بعد فراغه مما يتعلق
بالجهمية. انتهى كلام «فتح الباري».
وقد نجم في هذا العصر رجل جاهل سار في مقالاته مسير جهم، وجعل ديانته الدهرية مع بعد باعد من العلم، وأسبابه، وسمى نفسه: نيفرا، وزادت فتنه بين ساكني الهند، وهو إلى الآن حي يسعى، ويلسع عامة المسلمين.
وقد تصدى للرد عليه جماعة من المؤمنين -نصرهم الله تعالى عليه،
[ ص: 117 ] وأقماه الله، ومن تبعه، وطهر هذه الأرض من قدرات كلامه، وأدناس بيانه، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير -، وهذا من أشراط الساعة لا ريب في ذلك.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين [النحل:120].
قال أهل العلم: وصف الله تعالى
إبراهيم -عليه السلام- بهذه الصفات التي هي الغاية في تحقيق التوحيد:
الأول: أنه كان أمة: أي: قدوة وإماما معلما للخير، وما ذلك إلا لتكميله مقام اليقين والصبر اللذين تنال بهما مرتبة الإمامة في الدين.
والثاني: كونه قانتا:
قال
ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: القنوت: دوام الطاعة لله وحده، والمصلي إذا أطال قيامه، وركوعها وسجوده، فهو قانت.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه [الزمر: 9]، انتهى.
الثالث: كونه حنيفا:
قال ابن القيم -رحمه الله-: الحنيف: المقبل على الله وحده، والمعرض عن كل ما سواه. انتهى.
الرابع: نفي كونه من المشركين:
وهذا لصحة إخلاصه، وكمال صدقه في عبودية معبوده، وبعده عن الشرك المنافي لتحقيق التوحيد.
ويوضح هذا قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه [الممتحنة: 4]؛ أي: على دينه من إخوانه المرسلين.
[ ص: 118 ] nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده .
وذكر سبحانه عن خليله أنه قال لأبيه آزر:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=49فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله [مريم: 48-49].
فهذا هو تحقيق التوحيد، وهو البراءة من الشرك، وأهله، واعتزالهم، والكفر بهم، وعداوتهم، وبغضهم.
قال أهل العلم في هاتين الآيتين:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إبراهيم كان أمة ؛ لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120قانتا لله لا للملوك، ولا للتجار المترفين،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120حنيفا لا يميل يمينا، ولا شمالا كفعل العلماء السوء المفتونين بالدنيا الدنية، المقلدين للرجال وآرائهم، مع مصادمتها لأدلة الكتاب والسنة،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120ولم يك من المشركين بالله شيئا كائنا ما كان، ولم يكن مقلدا للآباء والأحبار، والرهبان، خلافا لمن كثر سوادهم، ويزعم أنه من المسلمين، وهو مشرك في العبادة، مقلد في الديانة.
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120كان أمة ، أي: كان على الإسلام، ولم يكن في زمانه أحد على الإسلام غيره.
قلت: ولا منافاة بين هذا، وبين ما تقدم من أنه كان إماما يقتدى به في الخير.
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=59والذين هم بربهم لا يشركون [المؤمنون: 59]، أثنى على المؤمنين السابقين إلى الجنة بالصفات التي أعظمها أنهم غير مشركين بربهم.
والمرء قد يعرض له ما يقدح في إسلامه من شرك جلي، أو خفي، فنفى ذلك عنه.
وهذا هو تحقيق التوحيد الذي حسنت به أعمالهم، وزكت به نياتهم وأقوالهم، وكملت به أفعالهم ونفعهم.
وهذا باعتبار سلامتهم من الشرك الأصغر.
[ ص: 119 ]
وأما الشرك الأكبر، فلا يقال في تركه ذلك.
قال ابن كثير في الآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=59لا يشركون ؛ أي: لا يعبدون مع الله غيره، بل يوحدونه، ويعلمون أنه لا إله إلا هو، أحد صمد، لم يتخذ صاحبة، ولا ولدا، وأنه لا نظير له. انتهى.
وعن
عبادة بن الصامت الأنصاري -رضي الله عنه-، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653180قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل»، أخرجه الشيخان،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي.
وفي أخرى
nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم: nindex.php?page=hadith&LINKID=930402«من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، حرم الله تعالى عليه النار».
فيه دلالة على تحقيق التوحيد، وأن مصير صاحبه إلى الجنة لا محالة بفضل الله تعالى، ورحمته.
وأن التوحيد: هو الإقرار بألوهيته تعالى، من دون شرك شيء به، والاعتراف بما ذكر.
وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28656التوحيد يهدم الذنوب، ويذهب بأهله إلى الجنة، ويبعدهم عن النار. وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28656النار حرام على من شهد بالله وحده، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
ويوضحه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=673229«رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وجبت له الجنة» أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود.
فِرَقُ الْمُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ «الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ»:
nindex.php?page=treesubj&link=28830فِرَقُ الْمُقِرِّينَ بِمِلَّةِ الْإِسْلَامِ خَمْسٌ: أَهْلُ السُّنَّةِ، ثُمَّ
الْمُعْتَزِلَةُ، وَمِنْهُمُ
الْقَدَرِيَّةُ؛ ثُمَّ
الْمُرْجِئَةُ، وَمِنْهُمُ
الْجَهْمِيَّةُ، وَالْكَرَامِيَّةُ. ثُمَّ
الرَّافِضَةُ، وَمِنْهُمُ
الشِّيعَةُ. ثُمَّ
الْخَوَارِجُ، وَمِنْهُمُ
الْأَزَارِقَةُ، وَالْأَبَاضِيَّةُ.
ثُمَّ افْتَرَقُوا فِرَقًا كَثِيرَةً.
nindex.php?page=treesubj&link=28821فَأَكْثَرُ افْتِرَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْفُرُوعِ.
وَأَمَّا فِي الِاعْتِقَادِ، فَفِي نُبْذَةٍ يَسِيرَةٍ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ، فَفِي مَقَالَاتِهِمْ مَا يُخَالِفُ أَهْلَ السُّنَّةِ الْخِلَافَ الْبَعِيدَ وَالْقَرِيبَ.
فَأَقْرَبُ فِرَقِ
الْمُرْجِئَةِ مَنْ قَالَ: الْإِيمَانُ: التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، وَاللِّسَانِ. وَلَيْسَتِ الْعِبَادَةُ مِنَ الْإِيمَانِ.
وَأَبْعَدُهُمُ
الْجَهْمِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، وَإِنْ أَظْهَرَ الْكُفْرَ، وَالتَّثْلِيثَ بِلِسَانِهِ، وَعَبَدَ الْوَثَنَ مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ.
[ ص: 116 ] وَالْكَرَّامِيَّةُ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، وَإِنِ اعْتَقَدُوا الْكُفْرَ بِقُلُوبِهِمْ.
وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى بَقِيَّةِ الْفَرْقِ، ثُمَّ قَالَ:
فَأَمَّا
الْمُرْجِئَةُ: فَعُمْدَتُهُمُ الْكَلَامُ فِي الْإِيمَانِ، وَالْكُفْرِ.
فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْعِبَادَةَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَإِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَلَا نُكَفِّرُ مُؤْمِنًا بِذَنْبٍ، وَلَا نَقُولُ: بِأَنَّهُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، فَلَيْسَ مُرْجِيًا، وَلَوْ وَافَقَهُمْ فِي بَقِيَّةِ مَقَالَتِهِمْ.
وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ: فَعُمْدَتُهُمُ الْكَلَامُ فِي الْوَعْدِ، وَالْوَعِيدِ، وَالْقَدَرِ.
فَمَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَأَثْبَتَ الْقَدَرَ، وَرُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقِيَامَةِ، وَأَثْبَتَ صِفَاتِهِ الْوَارِدَةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ، فَلَيْسَ بِمُعْتَزِلِيٍّ، وَإِنْ وَافَقَهُمْ فِي سَائِرِ مَقَالَاتِهِمْ.
وَسَاقَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا الْكَلَامُ فِيمَا يُوصَفُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَمُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْفِرَقِ الْخَمْسَةِ مِنْ مُثْبِتٍ لَهَا، وَنَافٍ.
فَرَأْسُ النُّفَاةِ
الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ قَدْ بَالَغُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى كَادُوا يُعَطِّلُونَ.
وَرَأْسُ الْمُثْبِتَةِ
مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ
الرَّافِضَةِ، وَالْكَرَّامِيَّةِ.
فَإِنَّهُمْ بَالَغُوا، حَتَّى شَبَّهُوا اللَّهَ تَعَالَى بِخَلْقِهِ -تَعَالَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ أَقْوَالِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا-.
وَنَظِيرُ هَذَا التَّبَايُنِ قَوْلُ
الْجَهْمِيَّةِ: إِنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ أَصْلًا، وَقَوْلُ
الْقَدَرِيَّةِ: إِنَّهُ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَفْرَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ خَلْقَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فِي تَصْنِيفٍ، وَذَكَرَ مِنْهُ أَشْيَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ
بِالْجَهْمِيَّةِ. انْتَهَى كَلَامُ «فَتْحِ الْبَارِي».
وَقَدْ نَجَمَ فِي هَذَا الْعَصْرِ رَجُلٌ جَاهِلٌ سَارَ فِي مَقَالَاتِهِ مَسِيرَ جَهْمٍ، وَجَعَلَ دِيَانَتَهُ الدَّهْرِيَّةَ مَعَ بُعْدٍ بَاعِدٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَأَسْبَابِهِ، وَسَمَّى نَفْسَهُ: نِيفْرَا، وَزَادَتْ فِتَنُهُ بَيْنَ سَاكِنِي الْهِنْدِ، وَهُوَ إِلَى الْآنِ حَيٌّ يَسْعَى، وَيَلْسَعُ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ تَصَدَّى لِلرَّدِّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ -نَصَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ،
[ ص: 117 ] وَأَقْمَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ تَبِعَهُ، وَطَهَّرَ هَذِهِ الْأَرْضَ مِنْ قُدُرَاتِ كَلَامِهِ، وَأَدْنَاسِ بَيَانِهِ، إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ، وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ -، وَهَذَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ لَا رَيْبَ فِي ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النَّحْلُ:120].
قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى
إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ الْغَايَةُ فِي تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ أُمَّةً: أَيْ: قُدْوَةً وَإِمَامًا مُعَلِّمًا لِلْخَيْرِ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِتَكْمِيلِهِ مَقَامَ الْيَقِينِ وَالصَّبْرِ اللَّذَيْنِ تَنَالُ بِهِمَا مَرْتَبَةَ الْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ.
وَالثَّانِي: كَوْنُهُ قَانِتًا:
قَالَ
ابْنُ تَيْمِيَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الْقُنُوتُ: دَوَامُ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالْمُصَلِّي إِذَا أَطَالَ قِيَامَهُ، وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهُ، فَهُوَ قَانِتٌ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزُّمَرُ: 9]، انْتَهَى.
الثَّالِثُ: كَوْنُهُ حَنِيفًا:
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الْحَنِيفُ: الْمُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَالْمُعْرِضُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ. انْتَهَى.
الرَّابِعُ: نُفِيَ كَوْنُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
وَهَذَا لِصِحَّةِ إِخْلَاصِهِ، وَكَمَالِ صِدْقِهِ فِي عُبُودِيَّةِ مَعْبُودِهِ، وَبُعْدِهِ عَنِ الشِّرْكِ الْمُنَافِي لِتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ.
وَيُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الْمُمْتَحَنَةُ: 4]؛ أَيْ: عَلَى دِينِهِ مِنْ إِخْوَانِهِ الْمُرْسَلِينَ.
[ ص: 118 ] nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ .
وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ خَلِيلِهِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ آزَرَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=49فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [مَرْيَمُ: 48-49].
فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ، وَهُوَ الْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ، وَأَهْلِهِ، وَاعْتِزَالِهِمْ، وَالْكُفْرِ بِهِمْ، وَعَدَاوَتِهِمْ، وَبُغْضِهِمْ.
قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ؛ لِئَلَّا يَسْتَوْحِشَ سَالِكُ الطَّرِيقِ مِنْ قِلَّةِ السَّالِكِينَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120قَانِتًا لِلَّهِ لَا لِلْمُلُوكِ، وَلَا لِلتُّجَّارِ الْمُتْرَفِينَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120حَنِيفًا لَا يَمِيلُ يَمِينًا، وَلَا شِمَالًا كَفِعْلِ الْعُلَمَاءِ السُّوءِ الْمَفْتُونِينَ بِالدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، الْمُقَلِّدِينَ لِلرِّجَالِ وَآرَائِهِمْ، مَعَ مُصَادَمَتِهَا لِأَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ شَيْئًا كَائِنًا مَا كَانَ، وَلَمْ يَكُنْ مُقَلِّدًا لِلْآبَاءِ وَالْأَحْبَارِ، وَالرُّهْبَانِ، خِلَافًا لِمَنْ كَثُرَ سَوَادُهُمْ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مُشْرِكٌ فِي الْعِبَادَةِ، مُقَلِّدٌ فِي الدِّيَانَةِ.
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=120كَانَ أُمَّةً ، أَيْ: كَانَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ غَيْرُهُ.
قُلْتُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ فِي الْخَيْرِ.
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=59وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 59]، أَثْنَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ السَّابِقِينَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي أَعْظَمُهَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ.
وَالْمَرْءُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَقْدَحُ فِي إِسْلَامِهِ مِنْ شِرْكٍ جَلِيٍّ، أَوْ خَفِيٍّ، فَنَفَى ذَلِكَ عَنْهُ.
وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ الَّذِي حَسُنَتْ بِهِ أَعْمَالُهُمْ، وَزَكَتْ بِهِ نِيَّاتُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ، وَكَمُلَتْ بِهِ أَفْعَالُهُمْ وَنَفْعُهُمْ.
وَهَذَا بِاعْتِبَارِ سَلَامَتِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ الْأَصْغَرِ.
[ ص: 119 ]
وَأَمَّا الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ، فَلَا يُقَالُ فِي تَرْكِهِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْآيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=59لا يُشْرِكُونَ ؛ أَيْ: لَا يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، بَلْ يُوَحِّدُونَهُ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَحَدٌ صَمَدٌ، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً، وَلَا وَلَدًا، وَأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ. انْتَهَى.
وَعَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653180قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٍ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ»، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَفِي أُخْرَى
nindex.php?page=showalam&ids=17080لِمُسْلِمٍ: nindex.php?page=hadith&LINKID=930402«مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ النَّارَ».
فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ، وَأَنَّ مَصِيرَ صَاحِبِهِ إِلَى الْجَنَّةِ لَا مَحَالَةَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَحْمَتِهِ.
وَأَنَّ التَّوْحِيدَ: هُوَ الْإِقْرَارُ بِأُلُوهِيَّتِهِ تَعَالَى، مِنْ دُونِ شِرْكِ شَيْءٍ بِهِ، وَالِاعْتِرَافُ بِمَا ذَكَرَ.
وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28656التَّوْحِيدَ يَهْدِمُ الذُّنُوبَ، وَيَذْهَبُ بِأَهْلِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُبْعِدُهُمْ عَنِ النَّارِ. وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28656النَّارَ حَرَامٌ عَلَى مَنْ شَهِدَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَبِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيُوَضِّحُهُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=673229«رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ.