[ ص: 60 ] الفيء )
وأما الفيء ، فأصله ما ذكره الله تعالى في سورة الحشر ، التي أنزلها الله في غزوة بني النضير ، بعد بدر ، من قوله تعالى : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على [ ص: 61 ] أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وما أفاء الله على رسوله منهم ، فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير } .
فذكر سبحانه وتعالى المهاجرين والأنصار ، والذين جاءوا من بعدهم على ما وصف ، فدخل في الصنف الثالث كل من جاء على هذا الوجه إلى يوم القيامة ، كما دخلوا في قوله تعالى : { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم } .
وفي قوله : { والذين اتبعوهم بإحسان } وفي قوله : { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم } ومعنى قوله : { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } أي ما حركتم ولا سقتم خيلا ولا إبلا .
ولهذا قال الفقهاء : إن ; لأن إيجاف الخيل والركاب هو معنى القتال ، وسمي فيئا ; لأن الله أفاءه على المسلمين ، أي رده عليهم من الكفار ، فإن الأصل أن الله تعالى ، إنما خلق الأموال إعانة على عبادته ; لأنه إنما خلق الخلق لعبادته ، فالكافرون به أباح أنفسهم التي لم يعبدوه بها ، وأموالهم التي لم يستعينوا بها على عبادته ، لعباده المؤمنين الذين يعبدونه ، وأفاء [ ص: 62 ] إليهم ما يستحقونه ، كما يعاد على الرجل ما غصب من ميراثه ، وإن لم يكن قبضه قبل ذلك ، وهذا مثل الجزية التي على الفيء هو ما أخذ من الكفار بغير قتال اليهود والنصارى والمال الذي يصالح عليه العدو ، أو يهدونه إلى سلطان المسلمين كالحمل الذي يحمل من بلاد النصارى ونحوهم ، وما يؤخذ من تجار أهل الحرب ، وهو العشر ، ومن تجار أهل الذمة إذا اتجروا من غير بلادهم ، وهو نصف العشر .
هكذا كان رضي الله عنه يأخذ ، وما يؤخذ من أموال من ينقض العهد منهم ، والخراج الذي كان مضروبا في الأصل عليهم ، وإن كان قد صار بعضه على بعض المسلمين . عمر بن الخطاب
ثم إنه ، مثل من مات من المسلمين وليس له وارث معين ، وكالغصوب ، والعواري ، والودائع التي عذر معرفة أصحابها ، وغير ذلك من أموال المسلمين ، العقار والمنقول فهذا ونحوه مال المسلمين . يجتمع من الفيء جميع الأموال السلطانية التي لبيت مال المسلمين كالأموال التي ليس لها مالك معين
وإنما ذكر الله تعالى في القرآن الفيء فقط ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يموت على عهده ميت ، إلا وله وارث معين لظهور الأنساب في أصحابه ، وقد مات مرة رجل من قبيلة فدفع ميراثه إلى أكبر تلك القبيلة ، أي أقربهم نسبا إلى جدهم ، وقد قال بذلك طائفة من العلماء ، في قول منصوص وغيره ، ومات رجل لم يخلف إلا عتيقا له ، فدفع ميراثه إلى عتيقه ، وقال بذلك طائفة من أصحاب كأحمد وغيرهم ، ودفع ميراث رجل إلى رجل من أهل قريته أحمد
وكان صلى الله عليه وسلم هو وخلفاؤه يتوسعون في دفع ميراث الميت ، إلى من بينه وبينه نسب كما ذكرناه [ ص: 63 ]
ولم يكن يأخذ من المسلمين إلا الصدقات ، وكان يأمرهم أن يجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، كما أمر الله به في كتابه .
ولم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة ، ديوان جامع ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ، بل كان يقسم المال شيئا فشيئا ، فلما كان في زمن وأبي بكر رضي الله عنه كثر المال واتسعت البلاد ، وكثر الناس فجعل عمر بن الخطاب ، وديوان الجيش - في هذا الزمان - مشتمل على أكثره ، وذلك الديوان هو أهم دواوين المسلمين . ديوان العطاء للمقاتلة وغيرهم
وكان للأمصار وما يقبض من الأموال ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يحاسبون العمال على الصدقات والفيء وغير ذلك ، فصارت دواوين الخراج والفيء : نوع يستحق الإمام قبضه بالكتاب والسنة والإجماع ، كما ذكرناه ، ونوع يحرم أخذه بالإجماع ، كالجنايات التي تؤخذ من أهل القرية لبيت المال ; لأجل قتيل قتل بينهم ، وإن كان له وارث ، أو على حد ارتكب - وتسقط عنه العقوبة بذلك ، وكالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقا ، ونوع فيه اجتهاد وتنازع كمال من له ذو رحم - وليس بذي فرض ولا عصبة ، ونحو ذلك . الأموال في هذا الزمان وما قبله ثلاثة أنواع