[ ص: 27 ] قلة اجتماع الأمانة والقوة في الناس
اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل ، ولهذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : اللهم أشكو إليك جلد الفاجر ، وعجز الثقة ،
nindex.php?page=treesubj&link=7685_8135فالواجب في كل ولاية ، الأصلح بحسبها .
فإذا تعين
nindex.php?page=treesubj&link=25547_7685رجلان أحدهما أعظم أمانة ، والآخر أعظم قوة ، قدم أنفعهما لتلك الولاية : وأقلهما ضررا فيها ، فيقدم في إمارة الحرب الرجل القوي الشجاع ، وإن كان فيه فجور فيها ، على الرجل الضعيف العاجز ، وإن كان أمينا ، كما سئل الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : عن
nindex.php?page=treesubj&link=7914_7916_25547_8135الرجلين يكونان أميرين في الغزو ، وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف ، مع أيهما يغزو ؟ فقال : أما الفاجر القوي ، فقوته للمسلمين ، وفجوره على نفسه ، وأما الصالح الضعيف فصلاحه ، لنفسه ، وضعفه على المسلمين ، فيغزي مع القوي الفاجر .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11409 : إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر }
وروي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15971بأقوام لا خلاق لهم } . فإذا لم يكن فاجرا ، كان أولى بإمارة الحرب مما هو أصلح منه في الدين ، إذا لم يسد مسده .
[ ص: 28 ]
ولهذا {
كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يستعمل nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد على الحرب ، منذ أسلم ، وقال : إن nindex.php?page=showalam&ids=22خالدا لسيف سله الله على المشركين } مع أنه أحيانا كان قد يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إنه - مرة - رفع يديه إلى السماء وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14859اللهم إني أبرأ إليك مما فعل nindex.php?page=showalam&ids=22خالد } .
لما أرسله إلى
خزيمة فقتلهم ، وأخذ أموالهم بنوع شبهة ، ولم يكن يجوز ذلك ، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة ، حتى وداهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمن
[ ص: 29 ] أموالهم ، ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب ; لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره ، وفعل ما فعل بنوع تأويل .
وكان
1584 أبو ذر رضي الله عنه ، أصلح منه في الأمانة والصدق ، ومع هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43328يا 1584 أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي : لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم } . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
نهى
1584 أبا ذر عن الإمارة والولاية ; لأنه رآه ضعيفا .
مع أنه قد روي : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34123ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ، أصدق لهجة من nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر }
{
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مرة nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل استعطافا لأقاربه الذين بعثه إليهم ، على من هم أفضل منه [ ص: 30 ] وأمر nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد ، لأجل ثأر أبيه } .
ولذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة ، مع أنه قد كان يكون مع الأمير من هو أفضل منه ، في العلم والإيمان .
وهكذا
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ما زال يستعمل
nindex.php?page=showalam&ids=22خالدا في حرب أهل الردة ، وفي فتوح
العراق والشام ، وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل ، وقد ذكر له عنه أنه كان له فيها هوى ، فلم يعزله من أجلها ، بل عتبه عليها لرجحان المصلحة على المفسدة ، في بقائه ، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه ; لأن المتولي الكبير ، إذا كان خلقه يميل إلى اللين ، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة ، وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة ، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين ، ليعتدل الأمر
ولهذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، يؤثر استنابة
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يؤثر عزل
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد ، واستنابة
nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=22خالدا كان شديدا ،
nindex.php?page=showalam&ids=2كعمر بن الخطاب ،
وأبا عبيدة كان لينا
nindex.php?page=showalam&ids=1كأبي بكر ، وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من ولاه ، ليكون أمره معتدلا ، ويكون بذلك من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي هو معتدل ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25436أنا نبي الرحمة أنا نبي الملحمة } .
وقال : {
أنا الضحوك القتال } .
وأمته
[ ص: 31 ] وسط قال تعالى فيهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } .
ولهذا لما تولى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله عنهما صارا كاملين في الولاية ، واعتدل منهما ما كان ينسبان فيه إلى أحد الطرفين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من لين أحدهما وشدة الآخر ، حتى قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13684اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر } .
وظهر من
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر من شجاعة القلب ، في قتال أهل الردة وغيرهم ، ما برز به علي
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر وسائر الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين .
[ ص: 32 ]
وإن كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد ، قدم الأمين مثل حفظ الأموال ونحوها ، فأما استخراجها وحفظها ، فلا بد فيه من قوة وأمانة ، فيولى عليها شاد قوي يستخرجها بقوته ، وكاتب أمين يحفظها بخبرته وأمانته .
وكذلك في إمارة الحرب ، إذا أمر الأمير بمشورة أولي العلم والدين جمع بين المصلحتين وهكذا في سائر
nindex.php?page=treesubj&link=25548_7685_8135الولايات إذا لم تتم المصلحة برجل واحد ، جمع بين عدد ، فلا بد من ترجيح الأصلح ، أو تعدد المولى ، إذا لم تقع الكفاية بواحد تام .
nindex.php?page=treesubj&link=15083_15097_15096_20233ويقدم في ولاية القضاء ، الأعلم الأورع الأكفأ ، فإن كان أحدهما أعلم ، والآخر أورع ، قدم - فيما قد يظهر حكمه ، ويخاف فيه الهوى الأورع ، وفيما يدق حكمه ، ويخاف فيه الاشتباه : الأعلم .
ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : {
إن الله يحب البصر النافذ ، عند ورود الشبهات ، ويحب العقل عند حلول الشهوات }
[ ص: 33 ]
ويقدمان على الأكفأ ، إن كان القاضي مؤيدا تأييدا تاما ، من جهة والي الحرب ، أو العامة ويقدم الأكفأ . إن كان القضاء يحتاج إلى قوة ، وإعانة القاضي ، أكثر من حاجة إلى مزيد العلم والعلم ، فإن القاضي المطلق ، يحتاج أن يكون عالما عادلا قادرا
بل وكذلك كل وال للمسلمين ، فأي صفة من هذه الصفات نقصت ، ظهر الخلل بسببه ، والكفاءة : إما بقهر ورهبة وإما بإحسان ورغبة ، وفي الحقيقة فلا بد منهما .
وسئل بعض العلماء : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=15083_20233_15082لم يوجد من يولى القضاء ، إلا عالم فاسق أو جاهل دين فأيهما يقدم ؟ فقال : إن كانت الحاجة إلى الدين أكثر لغلبة الفساد ، قدم الدين وإن كانت الحاجة إلى الدين أكثر لخفاء الحكومات قدم العالم .
وأكثر العلماء يقدمون ذا الدين فإن الأئمة متفقون على أنه لا بد في المتولي من أن يكون عدلا أهلا للشهادة واختلفوا في اشتراط العلم هل يجب أن يكون مجتهدا ، أو يجوز أن يكون مقلدا ، أو الواجب تولية الأمثل فالأمثل كيفما تيسر ؟ على ثلاثة أقوال وبسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع
ومع أنه يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=20233تولية غير الأهل للضرورة ، إذا كان أصلح الموجود ، فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال ، حتى يكمل في الناس ما لا بد لهم منه ، من أمور الولايات والإمارات ونحوها ، كما يجب على
[ ص: 34 ] المعسر السعي في وفاء دينه ، وإن كان في الحال لا يطلب منه إلا ما يقدر عليه ، وكما يجب الاستعداد للجهاد ، بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز ، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بخلاف الاستطاعة في الحج ونحوها فإنه لا يجب تحصيلها ; لأن الوجوب هناك لا يتم إلا بها .
[ ص: 27 ] قِلَّةُ اجْتِمَاعِ الْأَمَانَةِ وَالْقُوَّةِ فِي النَّاسِ
اجْتِمَاعُ الْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ فِي النَّاسِ قَلِيلٌ ، وَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَشْكُو إلَيْكَ جَلَدَ الْفَاجِرِ ، وَعَجْزَ الثِّقَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=7685_8135فَالْوَاجِبُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ ، الْأَصْلَحُ بِحَسَبِهَا .
فَإِذَا تَعَيَّنَ
nindex.php?page=treesubj&link=25547_7685رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ أَمَانَةً ، وَالْآخَرُ أَعْظَمُ قُوَّةً ، قُدِّمَ أَنْفَعُهُمَا لِتِلْكَ الْوِلَايَةِ : وَأَقَلُّهُمَا ضَرَرًا فِيهَا ، فَيُقَدَّمُ فِي إمَارَةِ الْحَرْبِ الرَّجُلُ الْقَوِيُّ الشُّجَاعُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فُجُورٌ فِيهَا ، عَلَى الرَّجُلِ الضَّعِيفِ الْعَاجِزِ ، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا ، كَمَا سُئِلَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ : عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=7914_7916_25547_8135الرَّجُلَيْنِ يَكُونَانِ أَمِيرَيْنِ فِي الْغَزْوِ ، وَأَحَدُهُمَا قَوِيٌّ فَاجِرٌ وَالْآخَرُ صَالِحٌ ضَعِيفٌ ، مَعَ أَيِّهِمَا يَغْزُو ؟ فَقَالَ : أَمَّا الْفَاجِرُ الْقَوِيُّ ، فَقُوَّتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَأَمَّا الصَّالِحُ الضَّعِيفُ فَصَلَاحُهُ ، لِنَفْسِهِ ، وَضَعْفُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَيُغْزِي مَعَ الْقَوِيِّ الْفَاجِرِ .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11409 : إنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ }
وَرُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15971بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ } . فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَاجِرًا ، كَانَ أَوْلَى بِإِمَارَةِ الْحَرْبِ مِمَّا هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُ فِي الدِّينِ ، إذَا لَمْ يَسُدَّ مَسَدَّهُ .
[ ص: 28 ]
وَلِهَذَا {
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَسْتَعْمِلُ nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْحَرْبِ ، مُنْذُ أَسْلَمَ ، وَقَالَ : إنَّ nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدًا لَسَيْفٌ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ } مَعَ أَنَّهُ أَحْيَانَا كَانَ قَدْ يَعْمَلُ مَا يُنْكِرُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى إنَّهُ - مَرَّةً - رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14859اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمَّا فَعَلَ nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدٌ } .
لَمَّا أَرْسَلَهُ إلَى
خُزَيْمَةَ فَقَتَلَهُمْ ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ ، وَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، حَتَّى وَدَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَمِنَ
[ ص: 29 ] أَمْوَالَهُمْ ، وَمَعَ هَذَا فَمَا زَالَ يُقَدِّمُهُ فِي إمَارَةِ الْحَرْبِ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَصْلَحَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَفَعَلَ مَا فَعَلَ بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ .
وَكَانَ
1584 أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَصْلَحَ مِنْهُ فِي الْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ ، وَمَعَ هَذَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43328يَا 1584 أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي : لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ } . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ .
نَهَى
1584 أَبَا ذَرٍّ عَنْ الْإِمَارَةِ وَالْوِلَايَةِ ; لِأَنَّهُ رَآهُ ضَعِيفًا .
مَعَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34123مَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ ، أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ }
{
وَأَمَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ اسْتِعْطَافًا لِأَقَارِبِهِ الَّذِينَ بَعَثَهُ إلَيْهِمْ ، عَلَى مَنْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ [ ص: 30 ] وَأَمَّرَ nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، لِأَجْلِ ثَأْرِ أَبِيهِ } .
وَلِذَلِكَ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ لِمَصْلَحَةٍ ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَكُونُ مَعَ الْأَمِيرِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ ، فِي الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ .
وَهَكَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا زَالَ يَسْتَعْمِلُ
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدًا فِي حَرْبِ أَهْلِ الرِّدَّةِ ، وَفِي فَتُوحَ
الْعِرَاقِ وَالشَّامِ ، وَبَدَتْ مِنْهُ هَفَوَاتٌ كَانَ لَهُ فِيهَا تَأْوِيلٌ ، وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ فِيهَا هَوًى ، فَلَمْ يَعْزِلْهُ مِنْ أَجْلِهَا ، بَلْ عَتَبَهُ عَلَيْهَا لِرُجْحَانِ الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ ، فِي بَقَائِهِ ، وَأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ; لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ الْكَبِيرَ ، إذَا كَانَ خُلُقُهُ يَمِيلُ إلَى اللِّينِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خُلُقُ نَائِبِهِ يَمِيلُ إلَى الشِّدَّةِ ، وَإِذَا كَانَ خُلُقُهُ يَمِيلُ إلَى الشِّدَّةِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خُلُقُ نَائِبِهِ يَمِيلُ إلَى اللِّينِ ، لِيَعْتَدِلَ الْأَمْرُ
وَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يُؤْثِرُ اسْتِنَابَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدٍ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يُؤْثِرُ عَزْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدٍ ، وَاسْتِنَابَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=5أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدًا كَانَ شَدِيدًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=2كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ،
وَأَبَا عُبَيْدَةَ كَانَ لَيِّنًا
nindex.php?page=showalam&ids=1كَأَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ الْأَصْلَحُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ وَلَّاهُ ، لِيَكُونَ أَمْرُهُ مُعْتَدِلًا ، وَيَكُونَ بِذَلِكَ مِنْ خُلَفَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّذِي هُوَ مُعْتَدِلٌ ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25436أَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ أَنَا نَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ } .
وَقَالَ : {
أَنَا الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ } .
وَأُمَّتُهُ
[ ص: 31 ] وَسَطٌ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ } .
وَلِهَذَا لَمَّا تَوَلَّى
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَارَا كَامِلَيْنِ فِي الْوِلَايَةِ ، وَاعْتَدَلَ مِنْهُمَا مَا كَانَ يُنْسَبَانِ فِيهِ إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لِينِ أَحَدِهِمَا وَشِدَّةِ الْآخَرِ ، حَتَّى قَالَ فِيهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13684اقْتَدُوا بِاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ } .
وَظَهَرَ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ مِنْ شَجَاعَةِ الْقَلْبِ ، فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، مَا بَرَزَ بِهِ عَلِيٌّ
nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
[ ص: 32 ]
وَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ فِي الْوِلَايَةِ إلَى الْأَمَانَةِ أَشَدَّ ، قُدِّمَ الْأَمِينُ مِثْلُ حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا ، فَأَمَّا اسْتِخْرَاجُهَا وَحِفْظُهَا ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قُوَّةٍ وَأَمَانَةٍ ، فَيُوَلَّى عَلَيْهَا شَادٌّ قَوِيٌّ يَسْتَخْرِجُهَا بِقُوَّتِهِ ، وَكَاتِبٌ أَمِينٌ يَحْفَظُهَا بِخِبْرَتِهِ وَأَمَانَتِهِ .
وَكَذَلِكَ فِي إمَارَةِ الْحَرْبِ ، إذَا أَمَرَ الْأَمِيرُ بِمَشُورَةِ أُولِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَهَكَذَا فِي سَائِرِ
nindex.php?page=treesubj&link=25548_7685_8135الْوِلَايَاتِ إذَا لَمْ تَتِمَّ الْمَصْلَحَةُ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ ، جَمَعَ بَيْنَ عَدَدٍ ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْجِيحِ الْأَصْلَحِ ، أَوْ تَعَدُّدِ الْمُوَلَّى ، إذَا لَمْ تَقَعْ الْكِفَايَةُ بِوَاحِدٍ تَامٍّ .
nindex.php?page=treesubj&link=15083_15097_15096_20233وَيُقَدَّمُ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ ، الْأَعْلَمُ الْأَوْرَعُ الْأَكْفَأُ ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ ، وَالْآخَرُ أَوْرَعَ ، قُدِّمَ - فِيمَا قَدْ يَظْهَرُ حُكْمُهُ ، وَيُخَافُ فِيهِ الْهَوَى الْأَوْرَعُ ، وَفِيمَا يَدُقُّ حُكْمُهُ ، وَيُخَافُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ : الْأَعْلَمُ .
فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : {
إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْبَصَرَ النَّافِذَ ، عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهَاتِ ، وَيُحِبُّ الْعَقْلَ عِنْدَ حُلُولِ الشَّهَوَاتِ }
[ ص: 33 ]
وَيُقَدَّمَانِ عَلَى الْأَكْفَأِ ، إنْ كَانَ الْقَاضِي مُؤَيَّدًا تَأْيِيدًا تَامًّا ، مِنْ جِهَةِ وَالِي الْحَرْبِ ، أَوْ الْعَامَّةِ وَيُقَدَّمُ الْأَكْفَأُ . إنْ كَانَ الْقَضَاءُ يَحْتَاجُ إلَى قُوَّةٍ ، وَإِعَانَةُ الْقَاضِي ، أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةٍ إلَى مَزِيدِ الْعِلْمِ وَالْعِلْمِ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ الْمُطْلَقَ ، يَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عَادِلًا قَادِرًا
بَلْ وَكَذَلِكَ كُلُّ وَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَأَيُّ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ نَقَصَتْ ، ظَهَرَ الْخَلَلُ بِسَبَبِهِ ، وَالْكَفَاءَةُ : إمَّا بِقَهْرٍ وَرَهْبَةٍ وَإِمَّا بِإِحْسَانٍ وَرَغْبَةٍ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا .
وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=15083_20233_15082لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ ، إلَّا عَالِمٌ فَاسِقٌ أَوْ جَاهِلُ دِينٍ فَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ ؟ فَقَالَ : إنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى الدِّينِ أَكْثَرَ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ ، قُدِّمَ الدِّينُ وَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى الدِّينِ أَكْثَرَ لِخَفَاءِ الْحُكُومَاتِ قُدِّمَ الْعَالِمُ .
وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُقَدِّمُونَ ذَا الدِّينِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُتَوَلِّي مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا ، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا ، أَوْ الْوَاجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ كَيْفَمَا تَيَسَّرَ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَبُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ
وَمَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=20233تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْأَهْلِ لِلضَّرُورَةِ ، إذَا كَانَ أَصْلَحَ الْمَوْجُودِ ، فَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ السَّعْيُ فِي إصْلَاحِ الْأَحْوَالِ ، حَتَّى يَكْمُلَ فِي النَّاسِ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ ، مِنْ أُمُورِ الْوِلَايَاتِ وَالْإِمَارَاتِ وَنَحْوِهَا ، كَمَا يَجِبُ عَلَى
[ ص: 34 ] الْمُعْسِرِ السَّعْيُ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَكَمَا يَجِبُ الِاسْتِعْدَادُ لِلْجِهَادِ ، بِإِعْدَادِ الْقُوَّةِ وَرِبَاطِ الْخَيْلِ فِي وَقْتِ سُقُوطِهِ لِلْعَجْزِ ، فَإِنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا ; لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَاكَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا .