الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن أسلم وله أولاد صغار]

                                                                                                                                                                                        وإذا أسلم النصراني وله أولاد صغار، كانوا في حكم الإسلام بإسلام أبيهم فإن قتلوا قتل قاتلهم، وإن ماتوا أو مات أبوهم كان بينهما الميراث.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا غفل عنهم حتى بلغوا على الكفر على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فقال مالك مرة: يتركون ولا يجبرون.

                                                                                                                                                                                        وقال مرة: يجبرون على الإسلام إذا بلغوا بالضرب والتهديد والسجن من غير قتل.

                                                                                                                                                                                        وقال المخزومي: إن أبوا الإسلام قتلوا.

                                                                                                                                                                                        وأما إن مات الأب وهم كبار لم يكونوا في حكم الإسلام بإسلام أبيهم.

                                                                                                                                                                                        واختلف في موضعين:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: إذا أسلموا هل يعد ذلك إسلاما أم لا؟

                                                                                                                                                                                        والثاني: إذا لم يسلموا أو مات الأب وهم على النصرانية، ثم أسلموا بعد موته قبل البلوغ، أو عند البلوغ؛ فلم ير في "المدونة" إسلامهم إسلاما، وقال [ ص: 2120 ] أيضا: هو إسلام. وإن كانت جارية مجوسية جعل وطؤها له، وعلى هذا يرث وتورث.

                                                                                                                                                                                        وقال: إذا مات ولم يسلموا، ثم أسلموا بعد موته وثبتوا على ذلك حتى بلغوا، أو أسلموا بعد الاحتلام ورثوا آباءهم.

                                                                                                                                                                                        وأنكر ذلك سحنون ورأى أن لا ميراث لهم إلا أن يكونوا أسلموا قبل موته. وهو أصوب، فمن مات عنه وهو نصراني لم يرثه إن أسلم بعد ذلك، ومن مات عنه وهو مسلم ورثه وإن ارتد بعد ذلك؛ لأن المعرفة بالله سبحانه تصح ممن لم يحتلم، وإذا صحت منه المعرفة كان مؤمنا حقيقة؛ يرث به، ويستحق الجارية به، وإن رجع قبل البلوغ لم يقتل؛ لأن إسلامه كان في موضع لم يتوجه عليه الخطاب بالعقوبة عليه، فلا يقتل إلا بما كان من الإسلام بعد البلوغ، وإذا لم يقتل فإن كان أبوه ذميا كان ولده ذميا، وسواء مات أبوه على دينه نصرانيا، أو أسلم ولم يسلم ولده.

                                                                                                                                                                                        واختلف في ولد المرتد فقال ابن القاسم في "كتاب ابن سحنون" فيمن ارتد ولحق بدار الحرب بأهله وولده - قال: أما أولاده الذين حدثوا بعد [ ص: 2121 ] الردة فهم فيء، وكذلك زوجته، ثم رجع عن الزوجة، يريد: ولده الصغير الذي كان في حين الردة؛ لأنه قد ذكر من حملت بعد.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد فيمن حملت به قبل أن يرتد: يجبر على الإسلام ما لم يحتلم فإن احتلم ترك عند ابن القاسم. وقال أشهب: يجبر بالضرب.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في "العتبية": إن ارتد وله أولاد صغار، وأبوا أن يسلموا وكبروا، يجبرون بالضرب ولا يبلغ بهم القتل، وأما من ولد في حال الردة فإن أدركوا قبل الحلم أجبروا على الإسلام، وإن بلغوا على ذلك تركوا.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا في حصن فيه مسلمون: إن ارتدوا عن الإسلام يقتلون ولا تسبى ذراريهم.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون فيمن ارتد عن الإسلام ولحق بدار الحرب فتنصر، وتزوج وولد أولادا ثم مات هو وولده، وأبى ولد ولده من الإسلام فسبيل ولد ولده كسبيله، لا يسلط عليهم السبي، ويقتل من لم يتب من الكبار، ويكره الصغار على الإسلام، ثم رجع فقال: أما من بلغ فإن السبي يأخذه إذا لم يسلم، وكذلك ولد ولده. واختلف قوله في سبي زوجته. [ ص: 2122 ]

                                                                                                                                                                                        والقول إن ما ولد له بعد ردته يكون فيئا أحسن، ولو كان؛ لا يكون ولده ولا ولد ولده فيئا، ما تسلط السبي على أحد ممن هو على وجه الأرض؛ لأنهم ذرية نوح - عليه السلام - فهم الآن أبناء مرتدين، وهذا إذا ارتدت زوجة المرتد أو كانت نصرانية أو يهودية، وإن كانت مسلمة وبقيت على الإسلام فأصابها فحملت، كان ولدها مسلما على أحد القولين أن الولد يكون تبعا في الإسلام لأحد أبويه الأب أو الأم.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كان ولد له قبل أن يرتد فربي على الكفر؛ لأنه لم يكن قبل أن يرتد أبوه مؤمنا ولا كافرا؛ لأنه لم يكن عنده معرفة بشيء من ذلك، وإنما كان في حكم دين الأب من وجه الحكم، ليس أنه مؤمن.

                                                                                                                                                                                        وأما إن لم يرجع أبوه إلى الإسلام، وقتل والابن صغير فلا أرى أن يسترق؛ لأنه باق على حكم الدين الأول، وهو الإسلام، ولا ينتقل إلى حكم الدين الذي رجع إليه أبوه، بخلاف الكافر الذمي؛ لأن الذمة له ولولده.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان الأب على الإسلام فنشأ الولد وحده على الكفر، هل له حكم المرتد إن لم يراجع الإسلام؟

                                                                                                                                                                                        فقال مالك في "كتاب محمد"، فيمن تزوج نصرا نية فأولدها أولادا، فلما بلغوا قالوا: لا نسلم، قال: يجبرون على الإسلام من غير قتل. وقاله ابن القاسم أيضا. [ ص: 2123 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية