الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في تيمم الصحيح المقيم]

                                                                                                                                                                                        ويصح التيمم للصحيح المقيم وهم ثلاثة:

                                                                                                                                                                                        - من يخاف على نفسه متى استعمل الماء، وقد تقدم ذكره.

                                                                                                                                                                                        - ومسجون.

                                                                                                                                                                                        - ومن ضاق عليه الوقت. فإن لم يتيمم خرج الوقت.

                                                                                                                                                                                        فيجوز التيمم للمسجون لأنه كالمريض الذي لا يقدر على استعمال الماء ويمنعه المرض من تناوله، والسجن والمرض يمنعان من الطلب .

                                                                                                                                                                                        ومثله إذا كان الماء موجودا وهو مربوط، أو غير مربوط والماء في بئر وعدم الآلة التي ينتزع بها .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يكن مسجونا وهو في ضيق من الوقت، فإن طلب الماء خرج الوقت- على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        - فأجاز له مالك أن يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت.

                                                                                                                                                                                        - وقال أيضا: يعيد الصلاة إن وجد الماء في الوقت.

                                                                                                                                                                                        - وقال في " كتاب محمد" : يطلب الماء وإن خرج الوقت . ولم ير له أن يتيمم; لأن القرآن ورد في التيمم للمقيم بشرط المرض.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن; لأن المعنى الذي جاز به التيمم للمسافر وإن كان صحيحا وللمريض المقيم- إذا عدم الماء في الوقت لئلا يخرج الوقت عنه وهو [ ص: 182 ] بغير صلاة ولا مؤد لتلك العبادة. وإن كانا قادرين على استعمال الماء بعد ذهاب الوقت، فقدم الله سبحانه فضيلة الوقت على فضيلة الطهارة بالماء. وهذا المعنى موجود في الحاضر الصحيح، وإنما خص الله -عز وجل- المريض المقيم والصحيح المسافر دون الحاضر الصحيح; لأن الغالب عدم الماء لمثلهما، وليس ينزل ذلك بالصحيح الحاضر إلا نادرا، فإذا نزل به مثل ذلك ألحق في الحكم بهما.

                                                                                                                                                                                        ثم لا يخلو الصحيح المقيم من أربعة أحوال:

                                                                                                                                                                                        إما أن يكون عادما للماء فإن طلبه في طرف المدينة خرج الوقت، أو واجدا للماء عادما للآلة التي ينزعه بها، أو واجدا للآلة فإن تشاغل بانتزاعه واستعماله خرج الوقت، أو كان في إناء فإن توضأ به خرج الوقت .

                                                                                                                                                                                        وقد تقدم الكلام على عادم الماء، وعادم الآلة التي يتناول بها مثله، أنه يدخل في جملة من لا يجد، ولا فرق بين عدم القدرة على أداء الصلاة والطهارة في الوقت للاشتغال بطلب الماء أو بطلب الآلة.

                                                                                                                                                                                        وأما إذا كانت الآلة موجودة وكان فوت الوقت لاشتغاله بنزع الماء واستعماله، أو لاستعماله من الإناء خاصة، فلا يقع عليهما اسم العدم، ولا أنهما غير واجدين، إلا أنهما يتساويان في أنهما متى اشتغلا بشيء من سبب الطهارة بالماء خرج الوقت، وقد استقرئ من كتاب الله -عز وجل- فضيلة الوقت على فضيلة الطهارة بالماء، فلم يفترق أن يكون ذلك لسبب الماء أو لسبب استعماله، وهذان الوجهان يشترك فيهما المقيم والمسافر، وقد قال مالك في " المدونة" في الذي يأتي البئر آخر الوقت فإن نزع الماء بالرشاء وتوضأ خرج الوقت: [ ص: 183 ]

                                                                                                                                                                                        فليتيمم . فراعى الوجهين جميعا: قدر نزع الماء واستعماله، فيجيء على هذا إذا كان الماء في الإناء أن يراعى قدر استعماله.

                                                                                                                                                                                        وإن خشي خروج الوقت أو لا يدرك ركعة من الصلاة- تيمم، ولو منع هذا من التيمم لراعى في الأول قدر نزع الماء وحده.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو جعفر الأبهري: قال مالك: ويجوز التيمم إذا خاف فوات الوقت متى تشاغل بالغسل أو الوضوء.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية