الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الإحداد

                                                                                                                                                                                        الإحداد يجب في عدة الوفاة دون عدة الطلاق، والأصل فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط وأظفار". أخرجه البخاري ومسلم.

                                                                                                                                                                                        وقيل في قول الله -عز وجل-: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا [البقرة: 234] أي: عن الزينة والتزويج فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف [البقرة: 234] التزويج وأن تتزين وتتشوف وتلتمس الأزواج، وحمل الآية على العموم في كل ما هي ممنوعة منه في العدة من نكاح وغيره، والصغيرة والآيسة في ذلك سواء.

                                                                                                                                                                                        ولا يجب الإحداد في ملك اليمين، فمن مات عن أمة كان يصيبها أو أم ولد أو مدبرة، لم يكن عليها إحداد.

                                                                                                                                                                                        والإحداد يجب على المتوفى عنها زوجها إذا كانت مسلمة، حرة كانت أو أمة. [ ص: 2207 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف في أربع: في الكتابية، وامرأة المفقود، والتي تتزوج في المرض، والنكاح الفاسد. فقال في المدونة: على الكتابية الإحداد. وقال ابن نافع: لا إحداد عليها. وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: عدتها استبراء رحمها، فعلى هذا لا يكون عليها إحداد، وحمل الآية على الغالب من مناكح المسلمين أنهن المسلمات، والإحداد عبادة، والكافرة غير مخاطبة بذلك.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن أن تكون كالمسلمة في الشهور والإحداد؛ لأن ذلك مما يتعلق به حق الزوج والولد، فجعل في الزوجة المتوفى عنها العدة والإحداد حماية لئلا تعجل بالنكاح في العدة، وهذا تستوي فيه المسلمة والكافرة.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد في المفقود تعتد زوجته أربعة أشهر وعشرا: عليها الإحداد.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك في المبسوط: لا إحداد عليها: لأن الإحداد إنما يقع بحقيقة الموت، ولعله في المفقود طلاق، وهذا أحسن والأول أحوط، لإمكان أن يكون وافقت هذه الأشهر الموت.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن تعتد بأقصى الأجلين أربعة أشهر وعشرا مع ثلاث حيض؛ لأن أمره متوقف بين ثلاثة أوجه: إما أن يكون حيا فهو طلاق، أو ميتا وهي الآن في عدة منه فتعتد عدة الوفاة، أو قد انقضت عدتها فلا شيء عليها. [ ص: 2208 ]

                                                                                                                                                                                        وقد اتفق المذهب أنه لا يقسم ماله وأنه فيه على الحياة، وإذا كان ذلك فتعتد بأقصى الأجلين.

                                                                                                                                                                                        واختلف قول ابن القاسم فيمن تزوج في المرض أو تزوج امرأة في عدتها، فقال: تعتد بثلاث حيض. وقال: أربعة أشهر وعشرا، فعلى هذا يكون فيه الإحداد.

                                                                                                                                                                                        فقاس الفاسد على الصحيح؛ لأنه نكاح يلحق فيه النسب، وقد جعل الله العدة في الوفاة مدة يتبين فيها الحمل والحركة لما كان القائم بالنسب ميتا والنسب حق للأب والولد.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: إذا استبرئت بحس بطن تبقى على الإحداد ما استرابت. وقال ابن حبيب: وإن بعد خمس سنين.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ في كتاب محمد في المستحاضة والمرتابة بتأخر الحيض: إن تزوجت بعد تمام الأربعة أشهر وعشر ولم تنتظر التسعة الأشهر، لم يفسخ نكاحها، وجعل التمادي إلى التسعة الأشهر على وجه الاحتياط، وعلى قوله يكون الإمساك عن الزينة والإحداد فيها احتياطا، وإن تمادت ولم تحد فيها لم تأثم. [ ص: 2209 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية