والمسافر العادم للماء ثلاثة أوجه: آيس من وجوده، وموقن بوجوده قبل خروج الوقت، وشاك.
والشاك على وجهين: هل بذلك الموضع ماء؟، وموقن بوجوده شاك هل يبلغه قبل خروج الوقت أو لا .
فمن كان على إياس من وجوده تيمم أول الوقت، ومن كان على يقين منه [ ص: 193 ] أخر إلى آخره، ومن كان على شك تيمم أوسطه.
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب في تأخير الموقن: إن ذلك ليجمع بين الوقت وكمال الطهارة، وفي تقديم اليائس: لأن في تأخيره فوات الأمرين، وفي الشاك لأنه لم يبلغ به قوة الرجاء أن يؤخره ولا ضعفه أن يقدمه .
واختلف فيمن فقال كان على يقين من بلوغه قبل ذهاب الوقت فلم يؤخر وتيمم أوله، في " المدونة" : يعيد ما دام في الوقت ، وقال ابن القاسم : يعيد وإن ذهب الوقت. ابن حبيب
والقول الأول أحسن; لقوله سبحانه: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ثم قال: فلم تجدوا ماء فتيمموا ، فأمره بالصلاة بالتيمم في الوقت الذي أمر فيه بالصلاة بالوضوء، ولم يفرق ، وإيقاع الصلاة آخر الوقت توسعة على المصلي لا حق عليه، وإن كان ذلك فمن حق من تعبد بصلاة إذا دخل الوقت أن يقدم على أدائها ، وله أن يبرئ ذمته منها، فإن وجد ماء توضأ، وإن لم يجده تيمم.
ولو أراد من كان على إياس من الماء أو شاك أن يؤخر التيمم والصلاة إلى آخر الوقت، كان ذلك له كما ذلك له في الوضوء. وإنما التعجيل فمن باب أولى.
ويتيمم المريض الذي لا يقدر على استعمال الماء، وإن كان يقدر على [ ص: 194 ] استعماله وهو على إياس ممن يناوله إياه تيمم أول الوقت، وإن كان على شك تيمم وسط الوقت .
وقد اضطرب المذهب في الوقت الذي يتيمم فيه، فروى ابن وهب وابن نافع عن أنه قال: لا يتيمم أحد من أهل التيمم إلا أن يخاف فوات الوقت . مالك
وروى عنه ابن عبد الحكم في " المختصر" أنه قال: في أول الوقت . ولم يزد، ولم يفرق بين آيس ولا غيره . يتيمم المسافر
وقال في " المجموعة" : من لم يجد الماء تيمم وسط الوقت، وإن رجاه فمتى يخاف فوات الوقت، وجعله على قسمين .
ولمطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم في كتاب فيمن كان على إياس: فأول الوقت ومن سواه آخر الوقت . ابن حبيب
فجعلوه أيضا على قسمين ولم يجعلوا وسطا.
والذي أختاره أن لكل عادم للماء وهو يائس أو شاك أو موقن بإدراكه [ ص: 195 ] قبل ذهاب الوقت أن يوقع الصلاة بالتيمم أول الوقت أو وسطه أو آخره، وهو في ذلك بالخيار حسب ما يفعله المتوضئ بالماء. هذا في باب ما يجوز له، والاستحسان ما ذكره عن مالك. ابن القاسم