فصل [في الخلع بالغرر]
اختلف في بالجواز، والكراهية، والمنع؛ كالآبق، والجنين، والثمر قبل أن يبدو صلاحه، واستحسن ألا يفعل ابتداء، فإن نزل مضى وكان له ما خلع عليه; لأن الخلع ليس كالبياعات في الحقيقة، والأمر فيه أوسع من النكاح، ولأن القائل بمنعه يقول: لا شيء له من الغرر ولا شيء له عليها. وهذا غير مستقيم; لأنه إن كان عنده كالبياعات فالغرر فيه ممنوع فيجب أن يرجعه عليها بالعوض عما أخرج من يده، وإن كان عنده بخلاف البياعات ولا [ ص: 2532 ] شيء له، فيجب أن يمضيه، ولأن الرجوع بالقيمة عما أخرج من يده -وهو خلع المثل- لا يتحصل في الغالب، وليس ذلك معروفا كصداق المثل، فكان البقاء على ما دخلا عليه أولا. الخلع بالغرر
وقد قيل فيمن تزوجت بمائة إلى موت أو فراق: إنه تقوم المائة إذا لم تكن العادة بالنقد، ولا بشيء صحيح، وقد يكون الغرر الذي خالع عليه ليس له كبير قيمة; لأن قصده كان ترك المشاحة في مثل ذلك، وخلع المثل مما له بال، وإن رد إلى خلع المثل كان قد رجع فيما تركه وسامح به.
وقال فيمن ابن القاسم إنه يكون حالا. قال: لأن خالع على مال إلى أجل مجهول: قال: من باع إلى أجل مجهول إن القيمة إذا فاتت السلعة حالة. ولا أرى لتعجيله وجها، وفي ذلك ظلم على المرأة، ولأن الخلع مختلف فيه، فقيل: جائز. وقيل: مكروه. فإن نزل مضى. فعلى هذين القولين لا يكون عليها تعجيل دون الوقت الذي جعلت القضاء إليه. وقيل: لا يجوز: فينبغي أن يسقط هذا الغرر، ثم يختلف هل يرجع بخلع المثل؟ مالكا
وقال في التي إن كانت في مسكن الزوج لم تخرج، ولا شيء للزوج عليها، قال: لأن خالعت على ألا سكنى لها، قال: مالكا مضى الخلع، ورد الحرام. وأرى أن يرجع عليها بالأقل من كراء هذا المسكن، أو ما [ ص: 2533 ] كانت تكتري به; لأن أخذ العوض عن السكنى يجوز، وهو بمنزلة من خالع على شيء فاستحق من يده، إلا أن يكون انتقالها إلى أبويها أو إلى مسكنها، وهو الآن لا كراء له; لأنها لم تنتفع بشيء، ولأن الغالب من المرأة عند الطلاق أنها تكره المقام هناك، وإن خالعها على أن تقيم في مكانها وتؤدي الكراء جاز، وإن إذا وقع الخلع بحرام جاز. خالعها على أن ترضع ولدها وتنفق عليه من عندها إلى فطامه
واختلف إذا زادت على ذلك وشرط عليها أربع سنين أو نحوها، فقال لا يجوز ذلك، قال: وإنما النفقة على الأم في الرضاع والحمل، قال مالك: ولا شيء للزوج عليها فيما سقط من شرطه. ابن القاسم:
وقال المغيرة، وأشهب، ذلك جائز. قال وعبد الملك: المغيرة: لأن الخلع بالغرر يجوز. وهو أحسن، وهذا إذا شرط إن مات الولد أو الأم أن لا رجوع للأب، وإن شرط أن ذلك ثابت عليها، وإن مات الولد أو الأم، جاز، فإن مات الولد أخذ الأب ذلك مشاهرة حتى ينقضي الأجل.
واختلف عن إذا مالك فقال: لا شيء له عليها. وعلى هذا يدخله الغرر. وقال أيضا: لو أتبعها لكان له في ذلك قول. وروى خالعها على رضاعه، ولم يشترط ثبات ذلك إن مات ولا سقوطه، فمات الولد قبل حولين. أبو الفرج [ ص: 2534 ] أنه قال: يتبعها، وإن ماتت هي أخذ ذلك من تركتها، ولو انقطع لبنها وكانت عديمة استأجر لها ورجع عليها. وقول أن لا شيء عليها صواب؛ لأن الباقي اللبن، وليس هو شيئا يبيعه ولا يأخذ له ثمنا، وعليها أن تغرم ما كانت تشتريه له خارجا عن الرضاع من طعام أو غيره. مالك
واختلف إذا فقال خالعت على أن تنفق على ولدها فعجزت وأنفق الأب، وغيره من أصحابه: يرجع عليها. واختلف فيه عن مالك هل يرجع عليها؟ والأول أصوب. وإن ابن القاسم لم يجز، إذا كان الولد قد علق بأمه أو كان عليه في ذلك ضرر من غير رضاع. اختلعت على أن تسلم الولد لأبيه
واختلف إذا كان الصبي لا ضرر عليه، فأجاز ذلك مالك وقال وابن القاسم. في كتاب ابن الماجشون الشرط باطل، ولها أن تأخذه. ورأى أن في ذلك حقا للولد، وقاله ابن حبيب: في كتاب المدنيين، وهو أحسن إذا كان رضيعا أو فطيما وهو صغير; لأن الغالب أنه يضيع ولا أحد يقوم مقام أمه. وإن كان قد أثغر فالوفاء بالشرط أحسن، وإذا بقي عندها لم [ ص: 2535 ] يكن له عليها عن ذلك شيء; لأن الخلع لم يكن بمال ولا بما يباع، وإنما هو من باب طرح المشقة عنه، وهو لا يطلب من تلك الحضانة بشيء. مالك
ومن كانت لها النفقة ما كانت حاملا، وكذلك إن كانت ظاهرة الحمل وقت الخلع فلها النفقة ما كانت حاملا، إلا أن يشترط الزوج إسقاطها. خالع زوجته، ثم ظهر بها حمل،
وقال في العتبية: إذا مالك أنفق الزوج عليها ويتبعها إذا أيسرت. يريد: لأن عجزها عن النفقة على نفسها يضر بالحمل، وقد كان الأصل أنها عليه. شرط ألا نفقة للحمل فأعسرت،
واختلف فقال إذا اشترط ألا نفقة للولد إذا ولدته هل يكون لها الآن نفقة الحمل؟ في كتاب مالك محمد: لا نفقة لها الآن، وقال في كتاب ابن القاسم ابن سحنون، والمغيرة في مختصر ما ليس في المختصر: لها نفقة الحمل; لأنها لم تذكر إسقاطه. وهو أحسن; لأن لها حقين خالعت على أن أسقطت أحدهما، ولم يسقط الآخر. وابن الماجشون
وقال في كتاب مالك محمد: إذا لزمها ذلك. وقال شرط ألا تنكح حتى تفطم ولدها في العتبية: إن ابن القاسم فإن كان ذلك يضر بالصبي منعت؛ كمن استأجر ظئرا فأرادت التزويج. وفي كتاب شرط أن ترضع ابنه عامين فأرادت أن [ ص: 2536 ] تنكح قبل ذلك، إذا شرط عليها رضاع ولدها سنتين، وأخذت منه دنانير، ثم تزوجها قبل ذلك -كان له أن يرجع عليها من الدنانير بقدر ما بقي. [ ص: 2537 ] ابن سحنون: