الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب جامع التمليك

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم فيمن خير زوجته أو ملكها ولم تقض حتى طلقها طلقة فبانت بها ثم تزوجها فليس لها أن تقضي; لأن الملك الذي ملكها قد ذهب.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: ليس لها أن تقضي; لأن مضمون التزويج الرضا بالإصابة، وبه تستحق الصداق، والرضا بذلك يسقط ما بيدها، ولو رضيت بالإصابة قبل الطلاق لسقط ما بيدها وإن لم يصب، ومن ملك أمر زوجته رجلا ثم غاب غيبة بعيدة وكان قد أشهد أنه على حقه فيما جعل له من ذلك، وأنه لا يبيحها، كان للزوج أن يرفع ذلك إلى السلطان فينزعه من يده، وإن كان في حين التمليك غائبا كتب إليه إن كان قريب الغيبة فيقضي أو يرد.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان بعيد الغيبة، فقال مالك في كتاب محمد: لا يقربها ويضرب له أجل المولي من يوم يرفع ذلك، فإن جاء، وإلا طلق عليه بالإيلاء.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وإن قدم في العدة فقضى بالطلاق لزم الزوج مع طلقة الإيلاء، وإن لم يطلق عليه كان له أن يرتجع إن شاء ما كانت في العدة، وقال مالك [ ص: 2734 ] أيضا: يرجع الأمر إليها.

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا كان لا يرجى قدومه في الأجل، وقد اختلف قوله في هذا الأصل هل تعجل الطلقة الآن لما كان الصبر لا يعيد شيئا، وهو مضرة عليها، أو يصبر رجاء أن ينتقل رأيها إلى الصبر.

                                                                                                                                                                                        وإذا طلق بالإيلاء كان لها أن تمنعه الرجعة; لأنه ممنوع من الإصابة، فإن انقضت العدة، لم يجز أن يتزوجها; لأنه ممنوع منها حتى يقدم فلان، ولا يجوز تزويج من لا يحل وطؤها ولا يعترض هذا بالحائض; لأن ما فوق الإزار مباح له، وهذه ممنوعة الجملة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد فيمن شرط لامرأته إن هو غاب عنها سنة فأمرها بيدها فغاب سنة، ثم زاد عليها وأرادت الفراق كان ذلك لها إذا لم يطل، فأما الشهر والشهران فلا يضرها، وتحلف أن ذلك لم يكن رضي بزوجها، أو ما كان أكثر من ذلك فلا قضاء لها، إلا أن تكون قيدت وأشهدت أنها قبلت لتنظر، قال محمد: فإن لم تحلف فلا خيار لها، وقال ابن القاسم في كتاب ابن حبيب: لا يمين عليها وإن أقامت الشهر والشهرين. وقال ابن حبيب: وكان ابن كنانة وابن نافع يقولان: إذا جاز الأجل فليس بيدها شيء، إلا أن تكون قد أشهدت. [ ص: 2735 ]

                                                                                                                                                                                        وفي ثمانية أبي زيد: أن ذلك بيدها أبدا وإن لم تشهد، وهو أحسن; لأن الشأن في النساء الاستيناء في مثل هذا، ويتربص رجاء أن يقدم، ويكره أن يعجل بالفراق، ليس لأنها يسقط ذلك، فإذا طال وشق عليها الصبر قامت، وإن استظهرت بيمين فحسن.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في المجموعة: إذا طلقت بعد السنة واعتدت وتزوجت ثم قدم زوجها فأقام البينة أنه كان قدم قبل السنة أنها ترد إليه، وإن كان قد دخل بها الثاني، وكذلك إذا شرط إن لم يبعث بالنفقة إلى وقت كذا فأمرها بيدها، فرفعت إلى الحاكم وزعمت أنه لم يبعث بالنفقة وطلقت نفسها وتزوجت، ثم قدم وأقام البينة أنه كان يبعث بالنفقة، سقط التمليك، ونزعت من الأخير، وإن دخل وردت إلى الأول.

                                                                                                                                                                                        يريد: لأن هذا تعد من المرأة، كالتي ارتجعها زوجها وعلمت، ثم تزوجت، وبمنزلة من باع سلعة ثم تعدى وباعها من آخر، وليس بمنزلة أن يكون التعدي من غيرها، ولو ثبت أنه كان بعث بالنفقة فأمسكها المبعوث معه ولم يعطها لكان الطلاق ماضيا ولم يرد.

                                                                                                                                                                                        ولو أثبت رجل دينا على غائب فبيعت له داره، ثم قدم وأثبت أنه كان قضاه لم يرد البيع إذا فات، وإن كان القائم بالبيع متعديا; لأن التعدي على الذمة وقع فبيع ذلك على التعدي، والتعدي في الزوجة على عين المبيع، فأشبه ما غصبت عينه ثم بيع بياعات بوجه شبهة، فإن ذلك لا يقطع حق صاحبه. [ ص: 2736 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية