الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب [فيمن غصب دنانير أو خلاخل، ثم صارف المغصوب منه فيها بدراهم، أو غصب جارية، ثم اشتراها من صاحبها]

                                                                                                                                                                                        ومن غصب دنانير وغاب عليها، فإنه يجوز له أن يصارف المغصوب منه فيها بدراهم إذا انتقدها وإن لم تحضر الدنانير; لأنها في ذمته بالغيبة عليها، وصرف ما في الذمة جائز.

                                                                                                                                                                                        وإن غصب خلاخل فضة لم يجز أن يصارف المغصوب منه فيها إلا أن يحضرها، لئلا يكون أتلفها فتلزمه قيمتها.

                                                                                                                                                                                        والقيمة فيها بالذهب والبيع بالذهب، فإن باعها بأكثر من القيمة أو أقل دخله الربا وبيع الذهب بأكثر منه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا غصب جارية ثم اشتراها من صاحبها، فقال ابن القاسم: أرى ذلك جائزا إذا وصفها; لأنه ضامن لما أصاب الجارية قبل وجوب البيع وبعده.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: يجوز إذا انتقد القيمة ووقف الزائد. وقال سحنون: لا يجوز بيعها; لأنه لا يدري ما باع، القيمة أو الجارية; لأنه بالخيار، فإما أغرمه القيمة، وإما أتبعها حيث كانت، فإذا اختار إغرامه القيمة وعرفوها جاز أن يبيع منه [ ص: 2809 ] تلك القيمة ويتعجل.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: لا يخلو أن يبيع منه الجارية بدنانير أو بدراهم أو بعرض، فإن باعها بدنانير من السكة التي الشأن أنها تباع بها بمثل القيمة فأقل- جاز، وإن شرط النقد.

                                                                                                                                                                                        فإن باع بأكثر من القيمة، قيل له: الأمر متردد في الجارية بين ثلاث: بين أن تكون سالمة، أو هالكة، أو حدث فيها عيب، فإن بيعت على أنها إن كانت هلكت أو حدث فيها عيب ضمنته جاز البيع إذا انتقدت القيمة، فإن تبين أنها كانت هلكت أو حدث بها عيب لم يكن لك سوى ما انتقدت، وإن كانت سالمة أخذت الفاضل، وإن بعت على أنها إن كانت هلكت ضمنت، وإن حدث فيها عيب كنت على ما تراه من التضمين أو أخذها، لم يجز البيع وإن لم تنتقد إلا القيمة; لأنها تكون تارة بيعا إن اختار إجازة البيع، وتارة سلفا إن اختار الرد.

                                                                                                                                                                                        وإن باع بدراهم لم يجز على أن ينتقد شيئا; لأنها من غير جنس القيمة، فهو بائع حقيقة، ويجوز ذلك على غير النقد، فإن سلمت انتقدت الدراهم، وإن هلكت أغرمه القيمة من الدنانير، وإن حدث عيب كان بالخيار بين أن يضمن ويأخذ القيمة دنانير أو يأخذها معيبة، إلا أن يرضى بها المشتري معيبة، فيكون ذلك له، ولو أحب بيعها بدنانير على أن يرفع حكم الغصب عنه، والقيمة عشرة والبيع بخمسة عشر- لم يجز وذلك غرر; لأنه إنما أسقط عنه عشرة لمكان الخمسة التي زاده، فإن سلمت كان البائع قد أخذ الخمسة بالباطل، ولو علم [ ص: 2810 ] الغاصب بسلامتها لم يشترها بأكثر من عشرة، وإن هلكت كان الغاصب قد انتفع بسقوط الضمان لما أطمعه من الخمسة عند رجاء السلامة.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يجري الجواب إذا باعها بعرض، وعليه تكلم سحنون إذا بيعت بغير الصنف الذي تقوم به.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم: هو ضامن لما أصاب الجارية بعد البيع. ولم يبين هل يضمنها بالثمن، أو بالقيمة التي كانت يوم الغصب؟ والذي يقتضيه أصله أنه يضمنها بالقيمة; لأنه يقول في الغائب يشترى: مصيبته من البائع. فمن حق الغاصب على البائع التوفية، فإن هلكت قبل وصوله إليها كانت عليه بالقيمة المتقدمة، وعلى القول إن مصيبة الغائب بعد العقد من المشتري تكون هذه مضمونة بالثمن. [ ص: 2811 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية