باب في بيع الذهب بالذهب مراطلة
ومن المدونة قال فيمن ابن القاسم لا بأس به. صارف رجلا بدنانير سكة مضروبة ذهبا أصفر بتبر مكسور إبريز أحمر وزنا بوزن:
وكذلك والدنانير بالحلي أحدهما أنفق سكة أو صنعة والآخر أجود ذهبا، فلا بأس بذلك كله عنده إذا استوى الميزان. بدل الدنانير بالدنانير أحدهما أجود سكة والآخر أجود ذهبا،
وقال الشيخ - رضي الله عنه -: لا يجوز أن يتراطلا بخلخالين من فضة أو ذهب بمثلهما مسكوكا حتى تستوي الجودة، جودة الحلي وجودة الدنانير، فإذا استوى الذهبان جاز، ولم يراع نفاق السكة والصياغة عند الناس؛ لأن السكة عين، والصياغة زيادة جودة، فزيادة الجودة خلاف العين، وقد قيل: إنه يراعى ذلك فيهما، قال: الأول أحسن. أبو الحسن ابن القصار
قال الشيخ: ولا فرق بين السكة والصياغة، فإما أن يقال يلغى حكمهما جميعا، فيجوز وإن اختلف الذهبان ويكون بمنزلة تبر بتبر، أو يراعيان جميعا فيمنعان، فيكون بمنزلة ذهب وعرض بذهب وعرض.
وإن كان من عند أحدهما دنانير سكة واحدة ومن عند الآخر سكتان، فإن كانت السكة المنفردة أجود من السكتين أو أدنى منهما جازت المراطلة؛ لأنا لا نجد في فعلهما ذلك مبايعة، وإنما هو معروف من صاحب الجيدة [ ص: 2861 ] لصاحب الدنيئة.
وإن كانت المنفردة أجود من إحدى السكتين وأدنى من الأخرى لم يجز؛ لأن هذه مبايعة ترك فضل الجيدة لمكان ما معهما من الدنية، فلو فضت المنفردة على قيم السكتين كان الذي ينوب الجيدة أكثر من خمسين والأخرى دون ذلك، وكذلك إن ظهر في أحدهما على عيب لم يرجع في نصف الدنانير؛ لأن الذي ينوبهما مختلف.
واختلف إذا كانت المنفردة مثل إحدى السكتين والأخرى أجود أو أدنى، فأجازه ابن القاسم، ومنعه سحنون.
مثال ذلك أن يخرج أحدهما مائة دينار عتقا، والآخر خمسين عتقا وخمسين هاشمية، فرأى أن الخمسين العتق تقابل الخمسين العتق، وتكون المراطلة في خمسين عتقا بخمسين هاشمية. ابن القاسم
وقول أحسن؛ لأني لا أجده جعل المراطلة مائة بمائة إلا لغرض لهما في ذلك، ولو كان القصد من صاحب المائة العتق مكارمة لصاحب الهاشمية لراطله خمسين عتقا بخمسين هاشمية، وأبقى الخمسين التي يأخذ مثلها لنفسه، ولم يدخلها في المراطلة، إذ لا فائدة له في ذلك، فلما امتنع أن يتطول عليه بخمسين إلا بشرط أن يعاوضه بخمسين أخرى علمنا أن ذلك [ ص: 2862 ] لغرض لهما في ذلك، فكان المنع أولى. سحنون
وكذلك إن كان من ناحية دنانير مسكوكة ومن ناحية تبران، فإن كانت المسكوكة أجود من التبرين أو أدنى منهما فذلك جائز، وإن كانت أجود من إحداهما، وأدنى من الأخرى فهو فاسد.
وكذلك إن كانت من ناحية دنانير مسكوكة ومن ناحية دنانير وتبر، فإن كانت السكة المنفردة أجود من الدنانير والتبر أو أدنى فذلك جائز.
وإنما يراعى في الدنانير المسكوكة نفاقها على هيئتها ولا يراعى صفة ذهبها؛ لأنها إذا كانت مسكوكة كانت غير مراعاة، وإنما تراعى على ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الجودة في الذهوب والتبر وذهبها، وعلى القول الآخر يراعى الذهب والسكة.
فإن كانت الدنانير المنفردة أنفق من الدنانير والتبر وذهبها أدنى لم يجز؛ لأنها إن أجريت على حكم البياعات في القبض وفيما ينوب كل واحد منهما كان في العين متفاضلا.
وإن كانت السكة المنفردة أنفق من الدنانير ودون التبر، أو أنفق من التبر ودون الدنانير، لم يجز، وإن كانت الدنانير المنفردة مثل الدنانير الأخرى والتبر أجود أو أدنى- جاز ذلك على قول ولم يجز على قول سحنون. ابن القاسم،
وكذلك إذا كانت أربع ذهوب، من ناحية دنانير وتبر، ومن الناحية الأخرى مثل ذلك. [ ص: 2863 ]
وإن كان الفضل في النفاق والجودة سواء جاز ذلك وإن تساوت السكتان واختلف التبران، وإن اتفق التبران واختلفت السكتان، جاز على قول ولم يجز على قول ابن القاسم، سحنون.
وقد تقدم على قول إذا كان من عند أحدهما دنانير ذهب أصفر، ومن عند الآخر ذهب إبريز أحمر- أن ذلك جائز. ابن القاسم
ومحمل قوله في الأصفر أن ذلك من أصل الخلقة في المعدن.
وكذلك بعض الذهوب أصفر خلقة، فإن كان ذلك لغش في الدنيء لم يجز، قاله في مختصر ما ليس في المختصر، قال: إذا كانت الدنانير مغشوشة، فلا أظن تجوز المراطلة بها. مالك
وقال في المدونة فيمن اشترى دنانير منقوشة مضروبة ذهبا إبريز أحمر بتبر أصفر، ثم أصاب بالدنانير ما لا يجوز في السوق، قال: لا يرد إلا أن يكون مغشوشا، فينتقض من الصرف بقدر ما أصاب. ابن القاسم
ولم يبين هل ذلك إذا قام مشتريها بالعيب أم لا، وعلى قول [ ص: 2864 ] ينتقض جبرا؛ لأن الرضا بذلك لا يحل؛ لأنه تفاضل. مالك
ولا يجوز على هذا بيع التبر بالتبر إذا كان في أحدهما غش، وإن دخلا على السلامة، ثم تبين أن في أحدهما غشا- أجبرا على نقضه إذا كان الذي فيه الغش أجود ذهبا متى أزيل غشه، وإن كان متساويا أو أدنى جاز؛ لأن ذلك تفضل من أحدهما ولا تدخله مبايعة.