الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في اختلاف المسلم والمسلم في الجودة]

                                                                                                                                                                                        واختلافهما في الجودة، كاختلافهما في الكيل.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: هذا قمح، وقال الآخر: شعير، قال مالك: يتحالفان ويتفاسخان .

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك في كتاب أبي الفرج: لا يتحالفان; لأنهما اتفقا في الجنس، وجعلهما كاللذين اختلفا في الجودة، والأول أبين.

                                                                                                                                                                                        فإن استوى الكيل تحالفا وتفاسخا.

                                                                                                                                                                                        وإن اختلفا، فقال أحدهما : أسلمت إليك في عشرة أرادب قمحا، وقال الآخر: في عشرين من شعير ، واستوى الثمن - بيع الشعير واشتري به قمح، ولم أحلفهما; لأن أحدهما كاذب آثم، فلا أدخله في الإثم مع القدرة على السلامة من ذلك. [ ص: 2981 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كان ثمن الشعير أقل تحالفا، فإن حلف المسلم إليه ونكل الآخر سلم الشعير واشتري به قمح، وكان العاجز خسارة على المسلم; لأنه لا يجوز على إقراره أن يأخذ عشرين شعيرا عن عشرة قمحا، وكذلك إن نكل المسلم إليه وحلف المسلم، بيع الشعير واشتري بثمنه قمح، فما عجز أتمه المسلم إليه; لأنه لا يجوز له أن يمسك على قوله عشرين شعيرا ويدفع عشرة قمحا، وإن نكلا رد رأس المال ولم يشتر به شيء .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب ابن حبيب: إذا نكلا كان القول قول البائع، وهو كمطلوب رد اليمين، فنكل الطالب .

                                                                                                                                                                                        وهذا يصح على قول أبي الفرج; لأنه يقول: يبدأ البائع باليمين ويسلم الشعير.

                                                                                                                                                                                        وأما على القول الآخر، فإنما يبدأ باليمين ليسقط دعوى المسلم في القمح، ويحلف الآخر لئلا يؤخذ بقبض الشعير، فإن نكلا كان كل واحد على ما بدئ به لو حلف.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: أسلمت إليك في قمح، وقال الآخر: في تمر، تحالفا وتفاسخا، وإن طال أو حل الأجل، واستحسن إذا كان يوفي التمر بثمن القمح أن يقبض ويباع ويشترى به قمح ولا يحلفا. [ ص: 2982 ]

                                                                                                                                                                                        وإن قال: أسلمت إليك في فرس على صفة كيت ، وقال الآخر: دونها، كان كالاختلاف في الكيل إذا اتفقا على الصفة.

                                                                                                                                                                                        وإن قال أحدهما: ذكر، وقال الآخر: أنثى، تحالفا وتفاسخا; لأن كل واحد منهما يراد لما لا يراد له الآخر.

                                                                                                                                                                                        ولو اختلفا في بغل، فقال أحدهما: ذكر، وقال الآخر: أنثى، كان القول قول المسلم إليه; لأن الأنثى لا يراد منها نسل، وإنما يرجع الاختلاف إلى جيد ودنيء.

                                                                                                                                                                                        وقد تقدم القول إذا اختلفا في موضع القبض.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: إذا اختلفا في الكيل، وقال المسلم : أسلفتك على قفيز بلدي، وقال المسلم إليه: بل على قفيز بلدي، ولا بينة لهما كان القول قول البائع مع يمينه، وإن تقارا أنهما لم يسميا قفيز بلد، فهو على قفيز البلد الذي أسلفت فيه الدراهم .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكون القول قول من ادعى مكيال البلد الذي يقبض فيه السلم.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية