الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في مسائل في الوكالة في السلم والبيع وخشية المحاباة في ذلك]

                                                                                                                                                                                        واختلف في من وكل رجلا على أن يشتري له جارية أو ثوبا ولم يصف له ذلك، فاشترى ما لا يشبه أن يكون من جواريه ولا من لباسه: فقال ابن [ ص: 2999 ] القاسم: لا يلزمه ذلك .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب: يلزمه إلا أن يقول للباسي أو لخدمتي . وقاله سحنون.

                                                                                                                                                                                        ورأيا أن أمره مشكل هل أراد القنية أو التجارة؟ فلا يحمل عليه التعدي، ولا يضمن بالشك.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في من وكل رجلا ليسلم له في طعام، فأسلم ذلك إلى نفسه، أو إلى ابنه الصغير، أو إلى من يليه من يتيم أو سفيه: لم يجز، وإن أسلمه إلى زوجته أو ابنه الكبير، أو عبده المأذون له في التجارة، أو مكاتبه، أو إلى شريك غير مفاوض، جاز ما لم يكن فيه محاباة .

                                                                                                                                                                                        قال سحنون: سلمه إلى ابنه الذي في حجره أو إلى يتيمه جائز; لأن العهدة في أموالهم.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب: إن اشترى الوكيل ما أمر ببيعه بثمن مثله جاز .

                                                                                                                                                                                        قال: وكذلك عندنا الوصي والأب.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في من اشترى سلعة، ثم أخذ من رجل مالا قراضا وأراد أن يدفعه في ثمن السلعة: أخاف أن يكون قد استغلاها فيدخل مال هذا فيها .

                                                                                                                                                                                        فجعل المنع لأجل المحاباة ليس; لأنه معزول عن شرائها. [ ص: 3000 ]

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا نزل ذلك أن يمضي البيع إذا علم أنه استقصى وبالغ، أو ذكر من الثمن ما يرى أنه غاية ما يباع به، وإن لم تكن بينة على إشهارها، ولا أتى من الثمن بما ذكرت لك نقض البيع إن كان قائما ومضى بعد الفوت بالأكثر من القيمة أو الثمن، وهذا إذا كان فواته بذهاب عينه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا حالت سوقه أو تغير في نفسه: فقال محمد في من أمر ببيع سلعة فباعها من نفسه: كان صاحبها بالخيار في ردها ما لم تفت بغلاء سوق أو في بدنها، فتلزمه قيمتها .

                                                                                                                                                                                        وذكر يحيى بن عمر فيها قولين: أحدهما: مثل هذا، والآخر: أنه لا يفيتها النماء ولا النقص.

                                                                                                                                                                                        وقال غير ابن القاسم في كتاب القراض: كل من أطلقت يده في بيع فباعه من نفسه وأعتقه، كان الآمر بالخيار بين أن يجيز فعله أو يرد عتقه ويأخذه، إلا في المقارض، فإنه إذا كان في العتق فضل نفذ عتقه للشرك الذي له فيه .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب في العاشر من البيوع: إن باعه من نفسه ثم باعه من آخر بربح، كان الربح للأول إلا أن تكون القيمة أكثر، فيلزمه الذي هو أكثر، قال: وكذلك الوصي يشتري من تركة من أوصى إليه فالخيار عليه فيه للسلطان، وإن باعه بربح كان الربح للأيتام أو الثلث إلا أن تكون القيمة أكثر، فجعلاه كالمتعدي، فلا يفيته العتق ولا انتقاله بالبيع. وهو أحسن إذا علم أنه حابى نفسه في الثمن. [ ص: 3001 ]

                                                                                                                                                                                        ومن وكل عبدا فأسلم له في طعام مضى والسلم للآمر، فإن كان العبد محجورا عليه كان لسيده إجارته في ذلك، وإن كان مأذونا له وفعل ذلك معروفا ليصلح وجهه في تجارته لم يكن لسيده شيء; لأن الغالب في إجارة ذلك يسيرة .

                                                                                                                                                                                        ومن وكل على أن يسلم فوكل غيره كان متعديا، وللآمر أن يغرمه رأس المال، وله أن يجيز إن لم يكن أسلم الثمن أو أسلمه وكان قائما وشهدت البينة أنها دنانيره.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا فاتت او لم تشهد البينة بذلك، فقيل: ليس له أن يجيز; لأنه فسخ دين في دين لما ملك أن يغرم المأمور رأس ماله، وهذا قول ابن القاسم في المدونة .

                                                                                                                                                                                        وروي عن مالك في كتاب ابن حبيب أنه أجاز ذلك، وهو أحسن. وأرى أن يوكل ذلك إلى أمانة الآمر، ويعلم أنه لا يجوز له متى اختار التضمين أن ينتقل إلى الإجازة ولا يحمل عليه أنه اختار التضمين ثم انتقل، فيكون قد منع ملكه بالظن وملك لغيره. [ ص: 3002 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية