الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في مسائل يخالف فيها الوكيل في السلم والبيع ما أمر به]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في من دفع لرجل دراهم ليسلمها له في ثوب فأسلمها له [ ص: 3004 ] في بساط: كان للآمر أن يغرم المأمور مثل دراهمه، وليس له أن يأخذ المسلم إليه بمثل دراهمه، ولا أن يجيز السلم ويأخذ البساط; لأنه يصير دينا في دين .

                                                                                                                                                                                        وعلى قول مالك في كتاب ابن حبيب له أن يجيز ويأخذ البساط. وإن لم ينظر في ذلك حتى حل الأجل كان له أن يأخذه قولا واحدا .

                                                                                                                                                                                        وهذا إذا لم يبين أنه وكيل، فإن شهدت بينة أن المدفوع دنانير الآمر وكانت قائمة، كان له أن يجيز ويكون له البساط، وأن لا يجيز ويأخذ دنانيره، ويكون على المأمور خلفها ولا يفسخ السلم، وإن تبين أنه وكيل لغيره وقال: أسلم إليك دنانيره هذه، فإن كانت قائمة كان الآمر بالخيار بين أن يأخذ دنانيره، فينفسخ السلم، أو يجيز ويكون له البساط إلى أجله، وإن فاتت الدنانير كان له أن يغرمه مثلها وينفسخ السلم.

                                                                                                                                                                                        ويختلف هل له أن يجيز وله أن يأخذ المأمور بمثل الدنانير ويمضي السلم إذا كان المأمور مكذبا للبينة، ويقول: لم أتعد، وإذا لم يكن للآمر أن يجيز وقال: يباع لي البساط لآخذ الفضل، لم يكن ذلك له إن كان قد أجاز; لأنه يصير متهما للربا، وإنما يباع حينئذ على ذمته، وإن لم يجز كان له أن يباع لئلا يربح المتعدي.

                                                                                                                                                                                        وإن وكل على أن يسلم في ثوب ويكون الثمن سلفا من عند المأمور ليرده إليه إلى أجل فأسلم له في طعام كان للآمر أن يجيز ويكون له الثمن إذا دفع رأس المال بالحضرة، ويكون كالتولية.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا أجاز على أن يقضي السلف إذا حل الأجل، هل يمنع; لأنه فسخ دين في دين، أو يجوز إذا قال: لم أختر إلا الإجازة؟ [ ص: 3005 ]

                                                                                                                                                                                        وإن وكل في سلعة ليبيعها بالنقد فأسلمها في طعام، كان الآمر بالخيار في قيام سلعته بين الإجازة، ويكون له الطعام إلى أجله، أو يأخذ سلعته وينفسخ السلم، وإن أفاته المسلم إليه بلباس، كان للآمر أن يغرمه قيمته وينفسخ السلم.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا أحب أن يجيز ويكون له الطعام، وكذلك إذا فات بعيب مفسد من سبب المسلم إليه.

                                                                                                                                                                                        وإن كان بأمر من الله تعالى، كان له أن يأخذ سلعته معيبة وينفسخ السلم ولا شيء له على المسلم إليه من العيب، وله أن يغرم الوكيل قيمة ذلك العيب; لأنه متعد في تسليمه، فله أن يغرمه ما أحدث في حال التعدي، وإن كان العيب بأمر من الله سبحانه.

                                                                                                                                                                                        ويختلف هل له أن يجيز; لأنه وإن كان قائما فيما بين الآمر والمسلم إليه وأن له أن يأخذ عينه ، فإنه في معنى الفائت لما ملك أن يتركه ويغرم المأمور قيمته، فيصير إذا انتقل من القيمة ويأخذ الطعام فسخ دين في دين.

                                                                                                                                                                                        وإن لم ينظر في ذلك حتى حل الأجل، لم يكن له أن يأخذ الطعام على هذا القول ويدخله بيع الطعام قبل قبضه، وله أن يباع له إذا كان فيه فضل ليأخذ الفضل.

                                                                                                                                                                                        يريد إذا لم يجز فيباع على ملك المتعدي، لئلا ينال بتعديه ما أراد من الربح، وليس ذلك له إذا أجاز ليباع على ملكه، ولو جاز ذلك لكان له أن يأخذ عينه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية