الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 3091 ] باب فيمن له دين على رجل يقبضه ببلد فلقيه بغيره

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن باع سلعة وهو بمصر بدنانير على أن يقبضها بإفريقية، وضرب أجلا، وحل الأجل وهو بمصر: أجبر على القضاء الآن حيث وجده، قال: وليس العين كالسلع; لأن أثمانها في البلدان تختلف، فلا يأخذه إلا في البلد الذي شرط فيه .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: ولو أسلم في سلعة لا حمل لها كاللؤلؤ والمسك والعنبر، لم يأخذه إلا في البلد الذي شرط; لأن سعر هذا في البلدان يختلف .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد: إلا ألا يختلف السعر في البلدان ولا في سوق يلتمس فيه هذا اللؤلؤ والعنبر، وكان الموضع بعيدا جدا، فله أخذه بالموضع الذي هو فيه -وإن كره- إذا حل الأجل، وإن كان على غير ذلك، لم يكن له أن يأخذه به إلا أن يرضى المطلوب فيجيز صاحب الحق على قبوله; لأنه بموضعها أغلى، يريد: لأن القصد من السلم التجر والأثمان، فإن علم أن له غرضا في قبضه في الموضع الذي سمى، لم يلزمه قبضه الآن ها هنا، إلا أن يكون الطريق مأمونا، فإن كان مخوفا لم يلزمه قبوله هنا، وإن كان أغلى; لأن الطالب يقول: لي غرض في قبض مالي في ذلك البلد، وأخاف على وصوله إليه، وإن كان الدين مما له حمل، وهو هنا أرخص، فرضي الطالب بقبوله، أجبر الآخر على [ ص: 3092 ] الوفاء; لأنه حط عنه الحمل وغلاء السعر، وإن كان ها هنا أغلى ورضي المطلوب بالقضاء، كان للطالب ألا يقبل، لحقه في الحمل، ويصح ألا يجبر على القضاء بغير البلد في العين.

                                                                                                                                                                                        فإن قال: أشتري لأقضي في البلد الفلاني; لأن لي به مالا، وإن ما معي ها هنا ما أتوصل به، أو قال: ليس عندي ما أقضي منه ها هنا إلا داري أو ربعي، ولا أحب بيعه، فهذا لا يجبر على القضاء إلا بالبلد الذي سمى.

                                                                                                                                                                                        ويجوز البيع وإن لم يضربا أجلا، ويصير بمنزلة من باع على دنانير بأعيانها غائبة، فإن كان الشرط من البائع فقال: أبيعك على أن أقبض في بلد كذا; لأني أحتاجها هناك لوجه كذا، فعجلها المشتري بغيره- لم يلزم البائع قبولها; لأنه يقول: أخاف في وصولها إلى هناك، وقد اشترطت شرطا جائزا; فيوفي لي به.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية