باب فيما يكون من الأطعمة صنفا أو أصنافا، والصنعة التي تخرجه عن أصله
القمح والشعير والسلت صنف واحد. واختلف في العلس والأرز والذرة والدخن، فقال هي أصناف يجوز التفاضل بينها وبين الآخر . مالك:
وقال في كتاب مالك في العلس مع الحنطة: صنف واحد في الزكاة والبيع . وقال ابن حبيب في مدونة ربيعة في الذرة أنها مع القمح صنف واحد في الزكاة والبيع. أشهب:
وذكر عن أنه قال: القمح، والشعير، والسلت، والأرز، والذرة، والدخن صنف واحد في الزكاة والبيع، قال: لأنها تخبز خبزا . الليث
وهو أقيس على قولهم أن أخبازها صنف واحد; لأن هذه الأشياء ليست تؤكل على حالها وإنما تراد للخبز ، إلا الشعير فإنه يستعمل على الوجهين جميعا على حاله ويختبز.
وقال في كتاب أشهب محمد: أخبازها كلها صنف واحد .
وقال في العتبية: أكره خبز القمح بخبز الأرز متفاضلا، فإذا [ ص: 3122 ] كان الغرض استعمالهما خبزا، وكانت أخبازها كلها صنفا واحدا كانت أصولها كذلك، وليست كالخلول; لأن التمر والزبيب استعمالهما على حالهما وطعمهما حينئذ متباينة . ابن القاسم
ويلزم على القول أن أصولهما مختلفة أن يجوز التفاضل فيها، ويجوز التفاضل في أخبازها.
وكل ما طحن من هذه الأصناف فلا يخرجه الطحين عن أصله فلا يجوز الفضل بينهما، وكذلك إن عجن، فإن خبز أو عمل سويقا كان ذلك صنعة يخرجه عن أصله، فيجوز التفاضل إذا بيع بحبه، والفرق بين ذلك أن الطحين لم ينقل طعمه ولا منفعته، وأكثر ما فيه تفرقة أجزائه، وكذلك إذا عجن فإنما أضيف إليه ماء، فإذا خبز انتقل طعمه ومنفعته وتباين الغرض بينهما، وكذلك إذا عمل منه سويق انتقل طعمه ومنفعته، وإذا كان الطحن ليس بصنعة ولم يجز الفضل فقد اختلف في بيع أحدهما بالآخر كيلا على ثلاثة أقوال:
فقال يجوز مالك: . بيع القمح بالدقيق كيلا لا فضل بينهما
وقال في كتاب لا يجوز إلا فيما قل على وجه المعروف بين الجيران والرفقاء، ولا يجوز فيما كثر لزيادة القمح وريعه إذا طحن . ابن حبيب:
وقال يجوز موازنة ولا يجوز مكايلة. [ ص: 3123 ] أبو الحسن ابن القصار:
وظاهر قول في كتاب مالك أنه لا يجوز مكايلة ولا موزانة، ولا يصلح أن يجوز موازنة إلا أن يقال: إن المماثلة بين القمحين تجوز من طريقين: الكيل والوزن، وإذا جاز ذلك قبل الطحن جاز إذا طحن أحدهما; لأنه ليس في طحنه أكثر من تفرقة أجزائه. ابن حبيب:
وإن قيل: إن المماثلة بالكيل خاصة لم يجز إذا طحن أحدهما على الوزن، وكان الوجه امتناع المبايعة جملة، فلا يجوز على الكيل، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: الحديث، ولا على الوزن; لأن استواء الوزن لا يدل على استواء الكيل; لأن الكيل يستوي والوزن يختلف. "أينقص الرطب إذا جف"
ولا يصح حمل قولهم على ما وزنه وكيله سواء; لأنهم لم يتكلموا على بيع صورة معينة، ولا على نازلة في عين، وإنما أطلقوا الجواب في بيع القمح بالدقيق وزنا، وإن كان غير معين، وفي البخاري قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ومسلم . "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"
ففي قوله: "ووزن معلوم" دليل على أنه كان لا يباع عندهم على الكيل والوزن.
ويختلف في فيجوز على من أجاز القمح بالدقيق، [ ص: 3124 ] ويمنع على القول الآخر; لأن السميد إذا سحق زاد ريعه، وإن كان هذا قول بعض المخالفين، فهو قياس أحد قولي بيع الدقيق بالسميد ، ولا يجوز الفضل بين العجينين، واختلف عن مالك، في العتبية هل يباع أحدهما بالآخر على التحري؟ والمنع أصوب; لأنه لا يبلغ معرفة ما خالط كل واحد من الماء. ابن القاسم
وكذلك الدقيق بالعجين لا يجوز على تفاضل، ويختلف إذا كان تحريا.
واختلف قول في هذا الأصل في اللحم الطري بالقديد على التحري ، وأجاز في كتاب مالك محمد رطب الخبز بيابسه تحريا ، ولا يجوز الفضل بين الخبز والكعك إلا أن يكون فيه أبزار.
ويجوز ذلك بين الإسفنجة والخبز والكعك; لأن الزيت ينقل طعمهما، كما ينقل الأبزار ، وبين الخبز والسويق; لأن منافعهما وطعومهما متباينة ، وكره الحنطة المبلولة بالمقلوة حتى تطحن، وأجازه مالك . ابن القاسم
واليابسة بالمقلوة كذلك ، ويجوز الدقيق بالمقلوة قولا واحدا; لأنه قد فات أن يعمل من أحدهما ما يعمل من الآخر ، واختلف في الحنطة المبلولة [ ص: 3125 ] بالمبلولة فمنعه لأن البلل يختلف . وقيل: ذلك جائز إذا كان ما بل به هذا مثل ما بل به الآخر . مالك;
وأما المقلوة بالمقلوة، فإن كانا قد بلا قبل لم يجز، لإمكان اختلاف البلل، وإن لم يبلا وتساوى القلي جاز; لأن البل ينفخ القمح عما كان قبل.