الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في وجوه إذن السيد لعبده في التجارة وغيرها]

                                                                                                                                                                                        إذن السيد لعبده على سبعة أوجه:

                                                                                                                                                                                        إما أن يأذن له في التجارة جملة أو يخص صنفا بعينه أو الشراء يبيحه جميع التجارات إلا صنفا بعينه أو يأذن له في الإجارة جملة أو يخص صنفا بعينه أو يبيحه جميع الأعمال إلا صنفا بعينه أو يبيحه جميع التجارة والإجارة وأي ذلك أذن له فيه جاز، ولا يجوز للعبد أن يجاوز ما قصره عليه سيده فإن فعل وتعدى إلى ما لا يشبه ما أذن له فيه مثل أن يأذن له في التجارة فأجر نفسه أو في الإجارة فتجر أو أجلسه بزازا فتجر في العطر أو حائكا فأجر نفسه في الخياطة أو في القصارة، لم يلزمه ذلك ، ولم يتعلق ذلك بالمال الذي بيده منه [ ص: 3234 ] شيء، وكان أمره فيه على أحكام التعدي إذا شاركه إذن من تعدى عليه فاختلف فيه هل يكون في ذمته ويتبع به يوما ما أو يكون جناية في رقبته.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أشكل الأمر على من يداينه أو يعامله : هل ذلك من الجنس المأذون له فيه مثل أن يأذن له في صنف من البز فاشترى من غير الصنف الذي أذن له فيه أو في البيع والشراء بالنقد فباع واشترى بالنسيئة أو في صنف من الخياطة فأجر نفسه في الخياطة في الصنف الذي حجر عليه فيه ، هل يلزمه ذلك في المال الذي في يديه أم لا؟

                                                                                                                                                                                        وهذا مع الفوت، وأما مع القيام فلا خلاف أن للسيد رد ذلك. وقال ابن القاسم في المدونة: إذا أذن له في نوع من التجارة فتجر في غيره، لزمه، قال: وهذا أقعده للتجارة ولا يدري الناس بأي أنواع التجارة أقعده . ورأى أنه غر الناس بذلك الإذن، وقال في من دفع قراضا لحر على أن يتجر في صنف فتجر في غيره: كان متعديا ، ولا تتعلق تلك المعاملة بالمال الذي في يديه، [ ص: 3235 ] ويلزم على هذا ألا يلزم السيد معاملة العبد في غير الصنف الذي أذن له فيه، ولا يؤخذ من المال الذي في يديه.

                                                                                                                                                                                        وقال في العتبية: إذا أمر عبده أن يبيع ويشتري بالنقد فعامل بالنسيئة، لزمه ذلك في المال الذي في يديه، وكان الغرماء أحق به، وإن لم تكن أموالهم بعينها وأبى ذلك سحنون، واستشهد بمسألة القراض ، وقول ابن القاسم أحسن ، وأرى إذا كان مثل ذلك العبد لا يقف عما أذن له فيه السيد أن يلزمه ما أدخل فيه نفسه ; لأن السيد غر الناس بإذنه ذلك، وإن كان يرى أنه لا يخالف ما حد له ويقف عنده فكان في الباطن خلاف ذلك، كان قول سحنون حسنا فإن هلك ذلك المبيع أو نقص من غير سبب العبد لم يلزمه، وكذلك إن هلك من سببه، ولم يصون به ماله لم يتعلق بالمال الذي في يديه، فإن كان من سببه وصون به ماله كان في ماله الأقل من الثمن أو القيمة، وإن باع العبد ذلك الشيء الذي اشتراه تعديا وكان الثمن موجودا [ ص: 3236 ] كان عليه الأقل من ثلاث أوجه: من الثمن الأول أو الثاني أو القيمة، وإن ضاع ذلك الثمن، لم يلزمه الغرم من المال الذي في يديه وبيعه وشراؤه بالنسيئة مفترق، فإن باع وتغير سوق ذلك المبيع، كان السيد بالخيار فإن شاء أجاز، وإن شاء رد وأخذه على نقصه، وإن تلف أو تغير من غير سبب المشتري لم يكن له سوى الإجازة أو أخذ ذلك على نقصه، وإن كان ذلك من سببه، لبس أو أكل كان السيد بالخيار بين أن يجيز أو يأخذ القيمة نقدا، وإن لم ينظر في ذلك حتى حل الأجل كان له أخذ الثمن، وإن اشترى بالنسيئة، وكان قائما كان للسيد أن يقبل ذلك بالثمن أو يرد، وإن هلك من غير سبب العبد كانت المصيبة من البائع، ويرجع السيد بالثمن إن كان قبضه بعد حلوله، وإن حدث به عيب من غير سبب العبد رده السيد، واسترجع الثمن، وإن كان من سببه كان للسيد أن يرد، ويختلف: هل يغرم العبد ذلك النقص أو تكون جناية في رقبته ، وللسيد أن يقبله بالأقل من الثمن أو القيمة إلا أن يرضى البائع أن يأخذه معيبا ويتبع العبد بالعيب حسب ما تقدم، وإن صون به ماله أنه لبس أو أكل كان عليه الأقل من القيمة أو الثمن إلا أن [ ص: 3237 ] يكون ذلك مما يكال ولا يرضى البائع بالقيمة، فيكون له أن يرجع بالمثل على العبد أو السيد; لأن طعامه مما يلزم السيد، وكذلك كسوته .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية