الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الشقص يباع بياعات والشفيع غير عالم]

                                                                                                                                                                                        وإذا بيع الشقص بياعات والشفيع غير عالم كان له أن يستشفع بأيها أحب، فإن استشفع بأولها انفسخ ما كان من البياعات، ورجع كل مشتر على بائعه بالثمن، وإن استشفع بآخرها بيعا، ثبت جميعها، وإن استشفع بأوسطها ثبت ما قبلها، وانفسخ ما بعدها، وإن كان بيعا ونكاحا وتقدم البيع كان له بالخيار بين [ ص: 3348 ] أن يستشفع من الزوج بالثمن وترجع الزوجة بالثمن على الزوج بقيمة ذلك الشقص، وتكتب العهدة عليها، وإن تقدم النكاح ثم باعت ذلك الزوجة استشفعت الزوجة بقيمة الشقص، وينفسخ البيع أو من المشتري بالثمن، وكتب العهدة عليه، ولو كان نكاح وخلع استشفع من الزوجة بقيمته يوم النكاح، ويرجع الزوج عليها بقيمته يوم الخلع، فإن كان بيعا ثم هبة كان له أن يستشفع من المشتري، واختلف لمن يكون الثمن، فقال ابن القاسم: الثمن للموهوب له، ولا يشبه ما استحق ، وقال أشهب: الثمن للواهب، قال محمد: وهو أحب إلينا، وقاله سحنون .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا اشترى شقصا بثمن إلى أجل أو أخذه من دين مؤجل على ثلاثة أقوال، فقيل: يأخذ بمثل ذلك من الثمن مؤجل في الوجهين جميعا، وهو قول ابن القاسم في المدونة فيمن اشترى بثمن إلى أجل يستشفع بمثله، وإن أخذه عن دية خطأ وهو غني استشفع بمثله منجما في ثلاث سنين ، وقيل: يستشفع بقيمته في الوجهين جميعا، وقيل: إن اشتراه بثمن مؤجل استشفعه بمثله، وإن أخذه من دين فقيمته وهو على قول عبد الملك وسحنون، ثم ينظر إلى الدين، فإن كان عرضا استشفع بقيمته عينا، وإن كان عينا قوم بما يكال ويوزن ، قال ابن عبدوس عن سحنون: تقوم العين بعروض ويقوم العروض [ ص: 3349 ] بعين، وبه يستشفع الشفيع ، والأول أحسن، وإن كان الثمن طعاما أخذ بمثله، ولا يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى; لأن الطعام الذي في ذمته ثابت لمن باع منه يوفيه إياه، وهذا بيع بمثله ، والقول الأول أحسن أن يستشفع بمثله في الوجهين جميعا; لأن الدين إن كان عينا أو عرضا موصوفا له مثل والأجل له مثل، فالأصل في الشفعة أن يؤخذ بمثل الثمن فيوجب أن يأخذه بمثله إلى أجل.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد: إن اشتراه بثمن مؤجل وهو عين استشفع بمثله إلى أجل، وإن كان المؤجل عرضا أخذ بقيمته، قال محمد: وهذا غلط .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه -: وهذا مثل قول ابن القاسم في المدونة، إذا أخذ عن دية خطأ وهي عين، أخذ بمثله، وإن كانت إبلا أخذ بقيمتها، وإذا أخذ ذلك من دين مؤجل، وكان الغريم ملدا ظالما أو لا وفاء عنده أو عليه غرماء، لم يأخذ الشفيع بمثل ذلك الدين، ثم يختلف بم يأخذ؟ فعلى القول في الموسر إنه يأخذ بمثل ذلك الدين يحط ها هنا ما يرى أنه يحط لمكان لدده أو قلة وفائه، وعلى القول الآخر يأخذ بقيمة ذلك الدين على حال من هو عليه، إلا أن يتبين أن الطالب لم يهضم لذلك شيئا، وأنه يأخذ ما يؤخذ بمثله من الموسر الموفي، فلا يحط من عدد ذلك الدين شيئا. [ ص: 3350 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أخذه من دين حال ، فقيل: يأخذه بقيمته، وهو قول ابن القاسم في المدونة; لأنه لا يبيع ما أخذ من دين حال مرابحة، إلا أن يبين، وقال: لا يبين ويأخذ هذا بالشفعة بجميع الثمن ، وهذا أحسن إذا كان الغريم موسرا غير ملد، ومكنه من أخذ دينه، وإن كان معسرا أو ملدا فليبين في المرابحة، ويستشفع الآخر بالقيمة، وإن اشترى بدين له في ذمة رجل آخر كان كالذي اشتراه بثمن في ذمته.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يأخذ الشفيع حتى حل الأجل هل يأخذه بمثل الثمن حالا أو يستأنف له وهو أحسن; لأن الأول كانت له الغلة .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية